-1-

العالم كله شرقه وغربه، مهتم ومنهمك وقلق من القنبلة النووية الإيرانية القادمة، التي تعتبر بديل القوة الأسطورية لـ"المهدي المنتظر"، الذي سيُخضع آسيا والعالم الإسلامي والعربي لهيمنة الإمبراطورية الفارسية الإيرانية بقوة السلاح، كما سبق وخضعت هذه المنطقة للهيمنة الإمبراطورية العثمانية على مدار أربعة قرون كاملة (1517-1918).

والقنبلة النووية الإيرانية، لن تكون ضد الغرب. فالغرب لقمة كبيرة، لا يتسع لها فم الإمبراطورية الفارسية الجديدة، التي كان يحلم بها شاه إيران السابق، ولم تواتيه الظروف الدولية الخارجية، ولا الظروف الداخلية لتحقيقها. وكانت بلاهته واضحة، حين حاول استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية ليس عن طريق امتلاك القنبلة النووية، ولكن عن طريق إقامة الحفلات الكبرى الباذخة، التي كان يُبهر بها أعلام العالم، من السياسيين، والصحافيين، ونجوم السينما، والغناء، والمسرح!

-2-

والقنبلة النووية الإيرانية، لن تكون ضد إسرائيل. فما يقوله أحمدي نجاد من قرب زوال إسرائيل بهذه القنبلة ما هو إلا لذر الرماد الفارسي في عيون الأنظمة التي تضمر لهم القنبلة النووية الإيـرانية القادمة حساباً عسيراً، انتـقاماً مما قاموا به من دعم مالي ولوجستي ضـخم لصدام حسين في حرب الخليج العراقية – الإيرانية الأولى (1980-1988)، كما تقول الأخبار والتعليقات السياسية القادمة من طهران. فإسرائيل تعني في الشرق الأوسط الغرب، وخاصة أميركا، وإزالة إسرائيل من خارطة الشرق الأوسط – كما يهدد نجاد - تعني إزالة الغرب (وخاصة أميركا) من خارطة الشرق الأوسط، وسوف يهبُّ الغرب حكومات وشعوباً ومنظماتٍ وأحزاباً للدفاع عن كيانهم الغربي، وحضارتهم وقيمهم الغربية، في الشرق الأوسط، المتمثلة بإسرائيل.

-3-

فعن ماذا يتحدث أحمدي نجاد؟

القنبلة النووية الإيرانية هدفها واحد فقط، وهو سيطرة الإمبراطورية الفارسية الجديدة على آسيا والعالم الإسلامي والعربي، سيطرة المستعمر العثماني، منذ بداية القرن السادس عشر وحتى بداية القرن العشرين (1517-1918). ونشر الثقافة السياسية والدينية لهذه الإمبراطورية الفارسية الجديدة.

فما هي الثقافة السياسية والدينية لهذه الإمبراطورية الفارسية الجديدة؟ إنها ثقافة الإرهاب والشعوذة، واستخدام السحر والجان، بدل العقلانية الدينية، والواقعية الدينية التي تقيم ولا تهدم، وتُصلح ولا تُخرِّب، وتسالم ولا تحارب، وتتسامح ولا تتعصب.

-4-

فما الذي دفع أحمدي نجاد، لأن يعزو كل "الانتصارات" - التي يراها كذلك - والتي حققتها إيران – في رأيه - عبر برنامجها النووي، كمتحدية للشرعية الدولية، إلى "المهدي المنتظر"، وليس إلى أية أسباب أخرى؟

ولماذا ألمح أحمدي نجاد إلى أن يد الإمام "المهدي المنتظر" تُرى بوضوح في إدارة شؤون البلاد كافة، كما قال؟

ولماذا أكد نجاد، في خطاب له أمام طلاب الفقه في جامعة طهران، ونقله تلفزيون الدولة، أن "الإمام المهدي" يدير العالم، ونحن نرى يده المدبرة في شؤون البلاد كافة؟ ولماذا قال نجاد أمام العالم كله، في خطابه في الأمم المتحدة، في خريف 2005، أنه "شعر بهالة من النور تحيط به." وتحدث طويلاً عن عودة "المهدي المنتظر"، مما دعا رجل دين إيراني كبير كالإصلاحي آية الله يوسف سعاني، إلى انتقاد "اللجوء المتزايد إلى الخرافات" بحدة.

-5-

يقول الكاتب والباحث العراقي جاسم الحلوائي في سلسلة مقالات تحت عنوان (سنوات بين دمشق وطهران) إن العواقب الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية لسيطرة رجال الدين على السلطة في إيران كثيرة، ومنها بعض المعطيات ذات الدلالة الهامة، وهي مستقاة من دراسة للدكتور أمان الله قرابي، الخبير الاجتماعي والأستاذ الجامعي، تتناول معالجة ظاهرة البغاء التي تشمل 300 ألف من بنات الشوارع في طهران وحدها، وتتراوح أعمارهن بين 11 إلى 18 عاماً. وفي الوقت الذي يؤكد فيه الباحث، بأن الظاهرة تشير إلى ضعف القيم الدينية في المجتمع (في استطلاع أجرته الصحف الرسمية الإيرانية، تبين أن 85% ممن ولدوا بعد الثورة لا يمارسون الشعائر الدينية)، إلا أنه يؤكد بأن أسباب الظاهرة اقتصادية بالأساس. فهناك أكثر من أربعة ملايين عاطل عن العمل في إيران.

وإيران بحاجة إلى مليون فرصة عمل جديدة سنوياً، في حين أن ما يتحقق هو 400 إلى 500 ألف فرصة. وبلغت نسبة البطالة 20 % - 27% في أوساط الخريجين. وهناك تسعة ملايين عازب وعزبة، بينهم 5.5 ملايين من العازبات. ويوجد خمسة ملايين مدمن مخدرات، ويعيش مليونان من سكان طهران في ضواحيها حياة بائسة (صحيفة "ميهن"، عدد 96، 2006).

والعدالة التي ينادي بها المسؤولون الإيرانيون ليلاً ونهاراً كانت نتيجتها ـ وهم في السلطة لأكثر من ربع قرن ـ زيادة الأغنياء غنىً وزيادة الفقراء فقراً في إيران، حيث "يعيش أكثر من نصف الشعب الإيراني تحت خط الفقر." حسب آخر تقرير دولي.

فهل مُنيت الإدارة الإيرانية - برئاسة نجاد - بخيبات تنموية واقتصادية وسياسية مختلفة، وأراد نجاد أن يُبرِّئ نفسه منها، ويرميها على ظهر "المهدي المنتظر"؟!

-6-

لقد أجمع الأطباء النفسانيون منذ ستينات القرن الماضي، على أن حالةً كحالة نجاد، هي مرض نفساني يُطلق عليه "الهلوسة السمعية والبصرية Audio And Visual Hallucination "وهو مرض نفساني يصيب البعض الذين يتصورون بأن أحداً غير موجود على أرض الواقع يكلمهم، ويرشدهم. وهذا المرض اكتشفه آدم كرابتري الطبيب النفساني الكندي عام 1966، و لخصه بحالات مرضية لمرضى يسمعون أصواتاً في رؤوسهم، كما قال الطبيب النفساني الآخر جوليان جاينز في دراسته للهلوسة السمعية، بعد أن خبرها بنفسه، حينما كان مستلقياً على مضجعه، فسمع من الهواء الذي فوق رأسه صوتاً يخاطبه! .

-7-

تلك هي صورة إيران كما يراها المراقبون قبل عهد أحمدي نجاد، وفي أثناء عهد أحمدي نجاد، فهل هذه الصورة هي التي دفعت أحمدي نجاد لأن يُلقي كل هذه الأخطاء – وإن لم يُعلن صراحةً– على ظهر "المـهدي المنتظر"، بل يعـتبر أن القـنبلة الإيرانيـة – فيما لو ظهرت – هي "المهدي المنتظر" الذي سيقضي على أعدائه المُتخَيَلِين؟ وهل سيستمر نجاد في الاستنجاد بـ "المهدي المنتظر"، لكي يُغطي المزيد من أخطاء حكومته، وفشلها في إنقاذ إيران من الكوارث؟