على الرغم من أن نهاية أي طاغية هي انتصار مفرح للبشرية إلا أن مشهد نهاية الرئيس الليبي معمر القذافي كما تابعنا على الفضائيات الخميس قبل الماضي كان مثيراً للشفقة عبر منظر إنسان مدمّى في حالة ضعف.

"حرام عليكم".. تلك كانت إحدى الجمل الأخيرة التي نطقها القذافي بعد وقوعه بيد الثوار.. جملة أسقطت "كاريزما" الطاغية وأعادته إنساناً ينتابه الذعر. جملة أسقطت شعوراً لا متناهياً بالعظمة خلال أربعة عقود حافلة بشتى الممارسات التي يمليها عليه شعوره ذاك. ممارسات لا تبدأ بملابسه الغرائبية ولا تنتهي بأسلوبه الخطابي وهو يحدث الآخرين ناظراً إلى أعلى وكأنهم أدنى من أن ينظر إليهم.

وبالمقارنة بين مشهده ومشهد إعدام صدام حسين، الذي شاهدناه على الشاشات أيضاً وإن كان بتصوير رديء، نكتشف الفارق بين الطاغيتين، فحالة الذعر لدى القذافي تقابلها رباطة جأش لدى صدام تمثلت في سلوك لحظات النهاية وسخريته من فرقة الإعدام بـ"هاي المرجلة!" ولعل الكثير ممن قارنوا بين الصورتين أدركوا أيهما كان طاغية مزيفاً.

سواء تقمص القذافي شخصية الطاغية، أو تقمصته.. فالنتيجة واحدة، وهي أن "الكاريزما" التي رسمها لنفسه كانت شخصية غير عقلانية لما يجب أن يكون عليه القادة.. ولعل قناعته بأن العظماء أعلى شأناً في التاريخ من القادة جعلته يريد التفرد كـ"عظيم" بـ"كاريزما" مختلفة حاول التلبّس بها ضمن طقوس ليست لغيره، كخيمته التي ينصبها في الدول التي يزورها أو حارساته أو افتعاله للمواقف الجاذبة للإعلام في المناسبات الكبيرة خاصة التي يعرف أنها منقولة على الهواء.

ولأن تلك "الكاريزما" كانت مصطنعة وليست مؤصلة فقد عاد الطاغية إلى الحالة البشرية واعتراه الخوف والذهول وقت قُبض عليه حياً فصاح مستجديا الرحمة! ولكن الثوار كانوا عنيفين ـ في حالة خطأ ثوري ـ ضد من لم يرحمهم وطغى عليهم بجبروته فعانوا الويلات وفقدوا أعداداً لا تحصى بجرائم ارتكبها مَنْ لم يتخيّل أن له نهاية إلا لحظة القبض عليه. نهاية سريعة قُتل فيها بطريقة غامضة مثيرة للجدل سوف تتعدد حولها الروايات لعدم توثيقها بتصوير متقن، أما الحقيقة التي لا غبار عليها فهي أنه انتهى مذعوراً، وسقطت معه "كاريزما" الطاغية.