على مساحة صغيرة لفوال شعبي في العاصمة الرياض يضيق المكان بثلاثة عشر عاملاً معظمهم لا عمل لهم، فهم جلوس على مقاعد الزبائن، وعندما يكتظ المكان بالزبائن في ساعة الذروة يكون المشهد مضحكاً، فعدد العاملين أكثر من عدد الزبائن.
في المقابل هناك مقهى على مساحة أكبر من مساحة الفوال بعشر مرات، وحسب تقسيماته هناك قسم خاص بكبار الزبائن، وقسم عام في الدور الأول وقسم مماثل في الدور الأرضي وجلسات خارجية، ومطبخ للأكلات الخفيفة، لكن الكل يصرخ في الداخل والخارج بحثاً عن عامل يلبي طلباً أو يقدم خدمة فلا مجيب، فهما اثنان ضائعان مضغوطان متعبان.
مقارنة تصرخ في وجه وزارة العمل، تسأل عن عدل ولو نسبي، ومقارنة تعلن أن المنطق (انبطح) أمام سلطة المعارف والمداخل غير الرسمية، وحالة استغراب تكبر مع كثرة المشاهد المماثلة والقصص التي تروى يومياً، تبحث عن قراءة تحليلية موضوعية تجيب عن العلة في زيادة عدد العمالة غير السعودية، كلما زادت القوانين والأنظمة والشروط والضوابط للحد من هذه العمالة؟
حالة مزعجة، يفسرها المتضررون من أن علاقة النظام بالمساواة غير سوية، وأن ما يمنع على الصغير يستثمره الكبير ليعود ويعطيه للصغير ولكن بثمن كبير، وهكذا هو الحال في كافة جوانب العملية، وهم يقولون إنك حينما تضع نظاماً لا يخدم الناس يبدأ الناس في البحث عما يخدمهم، بغض النظر عن الكيفية وما إذا كانت نظامية أم غير نظامية.
هناك مشهد ثالث لسعوديين يشتكون من سيطرة بعض الجاليات على عدد كبير من المحال التجارية في السنوات الأخيرة وعلى الكثير من الأنشطة التجارية، مثل البقالات ومغاسل الملابس وأسواق السمك والورش بأنواعها، وصالونات الحلاقة. والمشهد الآخر يبالغ من يقف وراءه قائلاً بأنه باستثناء البنوك والشركات الكبيرة والمساهمة فإن معظم الأعمال ليست لسعوديين، إنما هم في الصورة فقط، وفي آخر الشهر تأتيهم على جوالاتهم رسالة بنكية تفيد بدخول مبالغ لحساباتهم.
كثيرون هم الشاكون والمتذمرون والقائلون بأن خير البلد (رايح) لغير أهله بسبب أنظمة خدمت المحتالين وغير المواطنين، وضيقت الخناق على الباحثين عن فسحة عمل ونشاط تجاري.
أنا واحد ممن يمارس نقداً شديداً للشباب العاطلين عن العمل، وللسعوديين الذين لا يحركون ساكناً نحو تحسين مداخيلهم، لكنني في أحيان كثيرة أعجز عن الدفاع عن النظام حينما تنهال علي قصص مثبتة، ومشاهدة كالتي بدأت بها سطور هذه المقالة.
يقول لي شاب "النظام لا يخدمني لأعمل ولكنني أتحايل على النظام مثل آلاف السعوديين لأكون صورياً صاحب عمل، ومن ثم تأتيني الأموال بالهبل، وبلا تعب، ولا تقل لي إن النظام لا يجيز لي ما قمت به، بل النظام يسمح لي بذلك والدليل أنه مكنني من التحايل عليه وهو يعلم بذلك تماماً".
كنت أتهمه وغيره بأنهم مستكينين ليس لهم علاقة بالمبادرة والمثابرة، يبحثون عن الأسهل وعن المكتب وعن الراحة، بينما الواقع تكشفه أنظمة لا تعينهم على الالتزام بالنظام وتحفزهم للتحايل على النظام.