فيما تتجه أنظار العالم نحو مصر بعد المظاهرات الحاشدة التي طالبت بتغيير نظام الرئيس محمد حسني مبارك، والمواجهات بين القوى المؤيدة لهذا الاتجاه والأخرى المعارضة له، صار المواطن المصري المقيم في السعودية يراقب بقلق هذه الأحداث الجارية في بلده، بخوف يشوبه خشية من انهيار الوضع، والاتجاه نحو الفراغ السياسي، أو سقوط قتلى وجرحى نظير المواجهات، خاصة أن مؤشرات غياب الأمن في بعض مراحل الواجهة، قد أثارت مزيدا من القلق على المشهد المصري الذي اعتاد طويلا الاستقرار السياسي والضبط الأمني، لتكون مصر إحدى أكثر الوجهات السياحية قبولا للمواطن السعودي، لما فيها من أمن، مثل غيابه صدمة للعالم.

ترقب مليوني

يعيش أكثر من مليون مصري في السعودية، وسط شعورهم بغربة الوطن، وجدول لا محدود من المصاعب التي تتعلق برغبتهم في تحقيق إنجاز مادي، يساعدهم على تجاوز المصاعب الاقتصادية التي يعيشها بلدهم، وبالتالي توفير المسكن اللائق، أو العمل الخاص حين عودتهم إلى بلدهم، وهو الأمر الذي يعتبر الطموح المشترك لكل من تحدثت "الوطن" معهم حول الوضع الحالي، وتصورهم عن مستقبل مصر.

وفي ظل هذا الوضع ومطاردة رجال الجوازات للمخالفين من العمالة الأجنبية، وإصرار الحكومة السعودية على تنفيذ برنامجها الهادف إلى سعودة الوظائف، فإن المصريين يراقبون المظاهرات الحاصلة في مختلف مدن "المحروسة" حيث عبر عشرات منهم في حديثهم إلى "الوطن" عن خوفهم على مصير بلدهم. وقال دبلوماسي مصري فضل عدم ذكر اسمه -نظرا لصعوبة الخروج بتصريحات من قبل السفارة في ظل هذه الظروف - "نحن في هذا الوقت العصيب نراقب الوضع والصورة ضبابية، ولا نعرف كيف سينتهي الوضع، وما هي النتائج التي ستصدر عنه، لكننا نلمس أن الأمور ستتجه إلى التحسن على الأقل على المستوى الأمني تدريجيا، آملين أن ينتهي الوضع قريبا"، نافيا أن يكون هناك أي خطر على الدبلوماسيين العاملين في السعودية، "لأنهم هنا لخدمة المواطن المصري، وليس لهم علاقة بتفاصيل الحراك السياسي الذي يحصل في مصر".

نقاشات ساخنة

ولم تتغيب التفاصيل السياسية عن حوارات العمال المصريين في كل مواقع العمل، فقد حصلت - على سبيل المثال- مشادة بين عاملين، أحدهما مؤيد لمغادرة الرئيس المصري لموقعه الحالي وحصول انتخابات تشريعية خلال شهر، وعامل آخر يرى أن الرئيس مبارك هو بطل العبور، ويستحق البقاء حتى نهاية فترة الولاية، وخروجه بكرامة، ليصل النقاش إلى مستوى الاشتباك بالأيدي، أمام استغراب رواد المطعم الشهير، ليتدخل الجميع لفض الاشتباك، ويعلق مدير المطعم بأن هذا الوضع مستمر منذ بداية المشكلة في مصر، قائلا إنهم يخشون من نتائج هذا القرار على أوضاعهم في دول عملهم كالسعودية، وغيرها من دول الخليج وأوروبا وأميركا، إذا ما وصلت حكومة معادية للغرب إلى الحكم، تحولهم فيها إلى ضحايا لصراعات سياسية.

تصعيد فضائي

من جانبه أوضح الكاتب الصحفي المصري عبدالعظيم حسين، أن "الفضائيات لعبت دورا تصعيديا، من خلال إعطاء صورة مبالغ بها عن الوضع في مصر، وكأنه ينهار، فيما كانت المظاهرات في حقيقتها محتشدة، لكن في مناطق ساخنة في مختلف المدن المصرية، كان أهمها في ميدان التحرير في القاهرة، فيما حاول البعض الركوب على موجة التحرك الشعبي، كما فعل البرادعي وتياره الذي تمت مواجهته من قبل الشارع المصري، وقوى المعارضة التي وجدت أن التدخل سياسيا في نشاط المظاهرات السلمية ومحاولة تسييسها هو تحرك فاشل لن ينجح، وأن مفاوضة الحكومة المصرية لن تنجح، لعدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم معها، لعدم سيطرتهم على قوى الشباب".

تدخلات دولية

وقد كان لمحاولة بعض الدول الاستفادة من المشهد المصري الحالي، جانب من القضايا التي لا تغيب عن جلسات الحوار المصرية في السعودية، والتي تتناول في البداية الموقف الأميركي في محاولة لفهم حقيقته، هل هو داعم لصديق واشنطن الرئيس حسني مبارك في هذه المرحلة، أم إنه تخلى عنه أمام هذا التحرك الشعبي المطالب بإسقاطه؟ فيما ذكر البعض أن أميركا ليس لها أصدقاء، بعد رفضها استقبال شاه إيران بعد خروجه بسبب الثورة الشعبية. وفي الحديث عن إيران، خصوصا بعد أن أثارت تصريحات مرشد الثورة علي خامنئي التي أيد فيها الحراك الشعبي في تونس ومصر ردود فعل مختلفة، اعتبر البعض أن ذلك محاولة من إيران وأميركا وأوروبا، لسرقة المشاعر الوطنية المحركة للشارع المصري، في اتجاهات مؤيدة لها.

حروب افتراضية

وسط هذا الجدل الدائر، كانت "حرب الإنترنت" مشتعلة بين مؤيدي الرئيس مبارك ومعارضيه، على مجموعات "فيسبوك" و"تويتر" وعدد من المواقع الإلكترونية، لكن الأثر الأهم كان تغيّب عدد من العاملين عن وظائفهم، بسبب عدم قدرتهم على التركيز ما بين متطلبات أعمالهم من جانب، ومتابعة الوضع الراهن في مصر من جانب آخر. واعتبر المدير الإقليمي لـ"سوق دوت كوم"، عباس صفدية، أن "المواجهات الفكرية السياسية على المواقع الاجتماعية، هي حالة صحية وطبيعية تحصل بشكل دائم، حين تتطور الأوضاع في أي دولة في العالم، ما بين مؤيد ومعارض، وهو ما حصل في مصر"، مضيفا "الوضع يصبح خطيرا حين يؤثر على حياة الأشخاص وإنتاجيتهم"، وهو الأمر الذي تحدث عنه بقوله "بعض الشركات تلقت طلبات لإجازات مرضية من موظفين مصريين لديها، وعندما تم الاستفسار عن حقيقة الوضع، كانت النتيجة أنهم يرغبون في متابعة الأوضاع في بلدهم، ورغم تقدير مشاعرهم، إلا أن تأثير الوضع السياسي على إنتاجيتهم لن يفيدهم، ولن يساهم في معالجة الوضع الراهن في مصر".

نوم لا يأتي

النوم العميق، بات لا يتسرب إلى عيني العامل المصري في السعودية، بحسب عمر طاهر، الذي وصف حالته قائلا "أنا في السعودية بدون إقامة، وأنا حاليا في صراع، هل أعود لبلدي أم أستمر في بحثي عن لقمة العيش، حتى يتوفر لدي مبلغ يكفي أن أوفر عملا دائما ونظاميا لي في السعودية"، مضيفا "أنام وأنا أشاهد التلفزيون والمواجهات، وقلبي سيتوقف من خوفي على بلدي من الوقوع في حرب أهلية، إذا ما واجه الجيش المتظاهرين الذين جمعهم القهر والجوع. طول يومي أعمل، وفي الليل لا أستطيع النوم، بسبب حديث المصريين في الغرفة التي نتشارك فيها". وعن الاتصال بأهله في مصر، قال "أصبحت أنفق كل يوم سبعين ريالا، أكلمهم ثلاث مرات، وأحيانا 4 مرات منذ بداية الأزمة. نريد أن نكون قريبين منهم، ونشعر بتمزق بين لقمة العيش، وحاجتنا لحماية أهلنا".

يشار إلى أنه يوجد في السعودية أكثر من مليون مصري، يمثلون المرتبة الثانية في حجم القوى العاملة الأجنبية في السعودية، بعد العمالة الهندية، لكنها تعتبر الأولى عربيا من حيث العدد والتنوع المهني، فهم يعملون في مختلف مجالات وشرائح العمل، من الوظائف الإدارية كالمحاسبة والإدارة، إلى الهندسة والتعليم والتطبيب، وإعداد الدراسات، وصولا إلى الأعمال اليدوية البسيطة، كالسباكة والأعمال الكهربائية والدهان، وأعمال البناء بمختلف أنواعها، والزراعة، فيما تشكل شريحة البائع المصري شريحة تعتبر من بين الأهم والأكثر انتشارا في المملكة.

أمن استراتيجي

من جهة أخرى، أبان المستشار الأمني منصور بن بطي العنزي، أن "أمن مصر أمن هام على المستوى الإستراتيجي للأمن القومي العربي، وما يحصل فيها يؤثر على الخريطة الأمنية والسياسية والاقتصادية في المنطقة، التي تشهد تغيرات جذرية راديكالية، قد تمتد بأثرها إلى دول أخرى، وهو ما يجعل السيطرة على الوضع أمراً هاما، لحماية المنطقة من التأثيرات السلبية لمثل هذه الأحداث، والاستفادة من الإيجابيات قدر الإمكان، من خلال سرعة التعامل مع هذه المواقف، واتخاذ قرارات واعية للتعامل معها". وأكد أن "المواطن السعودي أصبح يراقب باهتمام بالغ الوضع في مصر، لأنه مرتبط بها عاطفيا، وبسبب التعامل الدائم بين السعودي والمصري، سواء في الجوانب المهنية، أو الانسجام السياسي في المواقف التي تخدم الموقف العربي".