بعد أن انتهينا الأسبوع الماضي في جامعة مانشستر متروبوليتان من مشاهدة فيلمين قصيرين للمخرج السعودي المبدع عبدالله آل عياف، الذي يزور بريطانيا حاليا، تلقيت رسالة إلكترونية من زميلة مبتثعة تشكر فيها نادي الإعلاميين السعوديين ببريطانيا على تنظيم هذا العرض. وقالت في رسالتها بالنص: "أشكركم، كنت أتمنى أن أشاهد فيلم (عايش) منذ عدة شهور بعد أن قرأت عنه كثيرا، لكن لا أخفيك أنني لم أكن أتوقع أنني سأشاهده. سعدت جدا بالعرض". الأجمل من العرض من وجهة نظري هو النقاش المباشر والشفاف الذي دار بين آل عياف والطلاب ذكورا وإناثا حول التحديات التي تواجه صناعة الأفلام في السعودية. استمر النقاش نحو ثلاث ساعات حافلة بالأسئلة حول التقنيات التي استخدمها آل عياف في فيلميه اللذين عرضهما، والمعاناة التي واجهها في التصوير والمونتاج. وأجاب عن مشاكل دعم الأفلام القصيرة في السعودية ومشاركة زملائه معه في صناعة الفيلم بلا أجر ولقائه بوزير الإعلام. كان نقاشا مهما للجميع حول مستقبل هذه الصناعة الواعدة، بين مخرج شاب استطاع أن يحصد جوائز دولية في مجاله وجمهور يتوق للظفر بأجوبة عن الكثير من الأسئلة التي تدور في ذهنه. عندما قفلت عائدا إلى منزلي تساءلت بيني وبين نفسي: لماذا لا يقام في وطني مثل هذا اللقاء؟ هل أحتاج أن أسافر إلى مانشستر أو كاليفورنيا أو حتى أبو ظبي لأستمع وأتحاور مع مبدع أو مبدعة من أبناء وطني.

قبل هذا اللقاء بيوم واحد فقط وعلى وجه التحديد في 23 أكتوبر 2011 حضرت في مانشستر أيضا حلقة نقاش حول الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) ترأستها الناشرة البريطانية، مارغريت أوبانك، وشارك فيها: الروائية السعودية رجاء عالم، الفائزة مناصفة بجائزة البوكر لعام 2011، وعضو لجنة التحكيم السابقة، الصحفية السورية، غالية قباني، والمستشرق والمؤلف البريطاني، بول ستاركي. رغم أن النقاش كان ممتعا وتناول العديد من المواضيع الحساسة والشائكة حول جائزة (البوكر) إلا أن أجمل ما فيه برأيي هو الحوار الذي جمعنا نحن الطلاب السعوديين مع رجاء عالم خلال حلقة النقاش حول معاناتها مع الرقيب، ومشاركتها في بينالي البندقية مع شقيقتها شادية وسبب استقرارها في باريس، بعد اللقاء تحلقنا حول رجاء نسألها عن كل ما يدور في خلدنا حول أعمالها ومشاريعها، ووقعت لنا بعض رواياتها وابتسامة كبيرة تعلو محياها، وشكرتنا فردا فردا على حضورنا جلسة النقاش التي نظمها مهرجان مانشستر للأدب. دخلنا إلى حلقة النقاش ومعظمنا يحمل انطباعا سلبيا حول غرور رجاء، لكن خرجنا بانطباع إيجابي مسح انطباعنا السابق. لقد لمسنا مدى تواضعها ووعيها وحرصها على الاستماع إلى أبناء جلدتها بحب وتواضع كبيرين. عندما قفلت عائدا إلى منزلي تساءلت بيني وبين نفسي: لماذا لا يقام في وطني مثل هذا اللقاء؟ هل أحتاج أن أسافر إلى مانشستر أو كاليفورنيا أو حتى أبو ظبي لأستمع وأتحاور مع مبدع أو مبدعة من أبناء وطني.

وفي مانشستر أيضا، وبعد يوم فقط من أمسية آل عياف، التقينا في جامعة مانشستر سعوديين وبريطانيين بثلاثة أعضاء من مجلس الشورى السعودي، الدكتور محمد المطلق، والدكتور محمد أبو ساق، والدكتور سعد مارق، الذين شاركوا في حوار نظمته كلية الأعمال بالجامعة حول التحديات التي تواجه العلاقات بين بريطانيا والسعودية. استمر الحوار زهاء الساعتين، تخللته عدة أسئلة حول قضايا محورية تتعلق بالنفط والبيئة والإرهاب ومستقبل التبادل التجاري والربيع العربي، وأجاب عنها الأعضاء بتلقائية وذكاء. لكن يظل الجزء المفضل في الحوار هو اللقاء الجانبي الذي جمعنا نحن الطلاب السعوديين بأعضاء مجلس الشورى والذي تخلله الحديث عن الكثير من الهموم والآمال والتحديات التي يواجهها الوطن. كان الجميع يتحدثون مع الجميع بلا رتوش أو تحفظات. كان اللقاء ملهما ومحفزا. وعندما قفلت عائدا إلى منزلي تساءلت بيني وبين نفسي كما في المناسبتين السابقتين: لماذا لا يقام في وطني مثل هذا اللقاء؟ هل أحتاج أن أسافر إلى مانشستر أو كاليفورنيا أو حتى أبو ظبي لأستمع وأتحاور مع مبدع أو مبدعة من أبناء وطني، مع مسؤول أو مسؤولة من أبناء وطني، ماذا يمنع أن نتحاور في لقاءات مفتوحة ومباشرة؟ لماذا نحرم من هذه النعمة؟

أحيانا كثيرة الحوار يبدد الحزن في داخلنا وفي الجوار، إن الحوار غير ضار. الضار هو أن ندخر أسئلتنا في الحناجر لتصبح خناجر فتقتلنا!