يذكر الإمام ابن كثير في موسوعته "البداية والنهاية" أن مسيلمة الكذاب، الذي هو (مسلمة) قبل أن يحقّره المؤرخون المسلمون بتصغير اسمه، حاول أن يصنع بعض (الكرامات) يدلل بها على صدق ادعائه النبوة، فبصق في بئر فصار ماؤها (ملحاً أجاجاً)!، وسقى بوضوئه نخلا فـ(يبست)!، وأتى بولدان فمسح على رؤوسهم فمنهم من (قرع رأسه)!، ومنهم من (لثغ لسانه)!، ودعا لرجل أصابه وجع في عينيه فمسحهما فـ(عمي)!.
غير أن هذه المصائب التي أطاحت بمسيلمة منذ عهد النبي(صلى الله عليه وسلم)، لم تمنع أدعياء آخرين من أن يسيروا على نهجه حتى يومنا هذا!، وكأنهم يعملون بالنصيحة الواردة في بروتوكولات حكماء صهيون: (اكذب اكذب اكذب حتى يصدقك الناس، فإن لم يصدقوك: اكذب اكذب اكذب حتى يصدقك الناس، فإن لم يصدقوك: اكذب...)!، فمن مرزا غلام أحمدالقادياني المولود في الهند عام 1839، والذي أصر على ادعائه النبوة رغم تصدي علماء الدين في ذلك الزمن له وتكذيبهم إياه، حتى دعاه أحد الشيوخ ويدعى أبو الوفا للمباهلة، على أن يموت الكاذب منهما، وبالفعل هلك القادياني بعدها بأيام قليلة، ومروراً بالتونسية زهرة، والمصري سيد طلبة، واليمنية ثريا منقوش، والمدعية منال وحيد مناع الملقبة بـ(سجاح العصر)، وسجاح هذه هي المرأة التي ادعت النبوة في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) وتزوجها مسيلمة، ربما لتجميل صورة بيته على غرار "كذب مساوي ولا صدق منعكش"!، أو ليثبت أنه (نبي ونصف) بإضافة نبوة (المحروسة) إلى نبوته!، و...، و...، حتى ظهر (نبي) آخر في السودان الاثنين الماضي يدعى سليمان أبو القاسم،وهذا الرجل كما قالت وكالات الأنباء يدعي أنه نزل من السماء في رحم امرأة تدعى (دار السلام) وليس له أب أو أم، وأنه استند في ادعائه بأنه عيسى ابن مريم (عليه السلام) إلى نصوص القرآن والسنة النبوية، وأنه ملتزم بالتشريع الإسلامي قولاً وعملاً، وأن الله أبلغه أن يبدأ رسالته في عام 1981، وأنه بدأها بالفعل في سجن نيالا بجنوب دار فور وأن الله أخبره: "أبلغ الناس بأنك عيسى"، أقول: من مرزا إلى أبي القاسم يا قلبي لا تحزن!.
والحقيقة أن كل هذه الحالات التي تنم عن امتداد الشيزوفرينيا في عروق المخبولين من عهد مسيلمة إلى اليوم لم تعد مستغربة، وستستمر، حتى لو انتهت التحقيقات الجارية الآن بقتل أبي القاسم، أليس ملتزماً هو بالتشريع الإسلامي ومن ثم يعد مرتداً و"من ارتد منكم عن دينه فاقتلوه"؟!.