الحقيقة أن الموقف كان سيئاً جداً، فأنا أحاول فهم الزاوية التي يفكرون منها، لكنها نفس الزاوية التي كان يفكر منها إعلام القذافي أثناء منتصف الثورة الليبية، مطابقة لها في الكذب والحسرة وارتشاف الضياع، بل إن القذافي نفسه في أيامه الأخيرة، كان يبث رسائله من الفضاء السوري عبر قناة اسمها الرأي، لم تكن قناة ليبيا تذكر شيئاً أثناء الثورة الليبية عما يحصل في سورية، كانت مشغولة بالتمسح بالدين وفرض صورة أن القذافي ولي أمر صالح وسينصره الله على القوم الظالمين، في تلك اللحظة الفارقة في النصر والقهر التي قبض فيها الليبيون على القذافي مضرجاً بدمائه وهو ينظر لكفه الدامي بذهول، كانت وسائل الميديا في العالم تضج بالصورة والخبر، كانت تشتعل اللحظة في عين المشاهد العربي وهو يشاهد القذافي يخرج من مكان الجرذان أنبوبة صرف صحي، في تلك اللحظة بكل بشاعتها التي جاوزت كل رمزية وتستوجب التهليل من الثائر والمشاهد، في تلك اللحظة شريط عاجل على قناة دنيا الأسدية يقول: إن القبض على القذافي أكاذيب.
إعلام الطغاة يغار على الطغاة في كل أرض، يحرص على أشباه من يحكمهم، يغار عليهم وتحرجه مصائرهم، في تلك اللحظة التي هزت وكالات الأنباء والفضائيات وأربكت صالات التحرير في صحف العالم كانت فضائية سورية الإخبارية لا تشير للخبر في شريطها الإخباري، وتذيع زيارة لمحافظ حلب لأحياء شعبية في مدينة حلب، أحياء مكتظة بالوجوه المرعوبة، بالبيوت الطينية يتفقد أحوالهم، يطالبونه بصرف صحي، ومركز صحي، ومدارس ووظائف، كانوا يخاطبونه بسيدي، وكان يأمر شخصاً مجاوراً له أن ينفذ فوراً كل ما يطلب منه من المواطنين، وكأنهم في مطعم يطلبون ساندويتشات وليست مشاريع كبيرة يلزمها ميزانية وعمر، لن تجد في نظام الممانعة من حيز إلا المنع، لم يكن إعلام سورية الحكومي يضحك على أحد، فالمواطن السوري يتابع مصير القذافي عبر الفضائيات الأخرى، ولم يكن سيقنع أحداً بخطوات موظف بائس في جو بائس، كانت فقط لحظة يأس!