الغياب موتا أمر بالغ الأسى. لا يتحمل وقعه ولا يستوعبه إلا من أعطاه الله القدرة على مقاومة هذا الفًراق الأزلي بالصبر.
توفي والدي رحمه الله. لم أستطع أن أستوعب غيابه، وعجزت تماما أن أكتب حرفا عنه، وكأنه سيعود من سفر، ليس ضعفا في الإيمان، لأن هذه سنة الله، لكنها حالة، والإنسان مهما مثل دور القوة يبقى ضعيفا، بشيء يشبه التيه حال بيني وبين رثاء والدي الذى كان ـ في عيني ـ (من جيل آخر الرجال المحترمين)، وإن كان لا يزال في الوطن رجال مخلصون. لكن ذلك جيل مختلف، خدم وطنه منذ خرج من الدرعية يافعا متنقلا في الشمال وانتهاء بالخرج وأهلها الأكثر وفاء. كان خادما لوطنه ولديه ولاء عجيب.
واشتدت بي وحشة الغياب القسري.. لا أحب هذا الغياب النهائي، وإن كان الأمل في لقاء عند الله سبحانه.
وفجأة جاء خبر وفاة الأمير سلطان بن عبدالعزيز، المحسن الكبير، وكأن حالة إفاقة أصابتني بعد غيبوبة رفض عانيت منها، وتذكرت بيت الشعر الذي كان والدي يردده (كل ابن انثى وإن طالت سلامته... يوما على آلة حدباء محمول)، فهاهو الأمير سلطان ـ رحمه الله ـ يطويه غياب الجسد، لكن كل لبنة من أعمال الخير تذكر به. لقد منحني بلحظة ما إفاقة من حالة طالما هربت منها.
رحم الله الأمير سلطان، وعظم الله أجر بلادنا بفقيدها، فكل بقعة من بقاع الأرض له بها بصمة. فقد أعطى حتى خجل منه العطاء والعطاء، ليس بالمال وحده كان باللمسات الإنسانية، ومنحه الله صدقة عظمى لا يملكها أي إنسان وهي (ابتسامته) الدائمة، وهي التبسم المأجور عليه، فما شاهدناه في موقف إلا وتسبقه هذه المنحة الربانية (تبسمك في وجه أخيك صدقة).
سبقته قبل أشهر قليلة زوجته سمو الأميرة منيرة بنت عبدالعزيز بن مساعد، والدة الأمير خالد بن سلطان، رفيقة حياته وابنة المجاهد التقي الوفي والقريب والصديق للملك عبدالعزيز رحمهم الله جميعا، وكانت لها أيادي خير وبر وعطاء.
رحم الله أبا خالد وأم خالد. والعزاء في سمو الأمير سلطان لكل مواطن فهو أب للجميع.