وسيبقى من مآثر راحلنا الكبير صورة الوجه الإنساني. تعابير الوجه التي وقفت أمام الكاميرا لآلاف المرات فلم تستطع كاميرا واحدة أن تأخذ لقطة لا تبدو فيها الابتسامة. فكان وجها يعبر عن الحياة مليئا بالتفاؤل. وحتى في أحلك الظروف كان وجه سلطان بن عبدالعزيز يأخذك إلى الدهشة.
كان ينتصر على الآلام بوصفه مؤمنا بالقضاء والقدر. وفي عودته الأخيرة من رحلته العلاجية تظهر الكاميرا أنه فوجئ بأخيه خادم الحرمين الشريفين يدق باب الطائرة في استقباله وتبدو الإشارات وكأنهما يقسمان على بعضهما البعض أيهما يقبل أخاه في المكان الذي يجب. وعلى الدوام انتصرت بسمة سلطان بن عبدالعزيز ووجهه البشوش على إرادة الجراح ووطأة المرض. كان سلطان بن عبدالعزيز يمضي فوق الجراح الشخصية في اليوم الأول من عودته ليضمد جراح أبنائه الذين سالت دماؤهم على أطراف الحد الجنوبي وهو الذي ألفهم وألفوه حتى ليكاد المشهد أن يكون: من هو الذي يزور من؟ واليوم وهو يمضي إلى داره الأخيرة حق لنا أن نقول إننا تناسينا في حياته ـ يرحمه الله ـ أن نكتب عن هذه الجراح. والسبب أنه كان جسورا ومؤمنا وهو يظهر الابتسامة ويرفض أن يتخلى لحظة عن طبعه الأبدي في وجه باسم متفائل وبشوش. وحين استسلمت كل قواه لسنة هذه الحياة وصيرورة ابتلائها كان سلطان بن عبدالعزيز يقاومنا حتى لا ننهزم ويبث فينا الإشارات حتى لا نيأس. كان يدرك تماما أن رسالة الأب الحزينة إلى أسرته ستهزمهم أضعاف ما يهزم المرض مثلما كان يدرك أن صلابة الموقف الأخير من حياة الإنسان تعادل كل صلابة المواقف السابقة لأن معادن الرجال لا تظهر إلا في وقت الشدة وإلا فكلنا في الرخاء معدن واحد. قلة هم الذين يبتسمون لأسرهم في اللحظة الأخيرة.