قلت ذات يوم وأنا أحاول أن أفسر سبب اختياري لاسم هذه الزاوية إن التغييرات العظيمة تبدأ عادة من الأشخاص، ويبدأ الأشخاص صناعة التغيير بتغيير سلوكياتهم، ثم تغيير مقرّبيهم، ثم تغيير مجتمعاتهم، وأن الشكوى لا تكفي لإحداث التغيير في أي مجتمع.
حالة الشكوى تلك تنطبق على بعض خطباء الجمعة لدينا، ممن أصبحت الصحف وكتابها جزءا لا يتجزأ من خطبهم في كل أسبوع، عبر الشكوى منهم، وذمهم والتحذير منهم والدعاء عليهم. ولست أدري ما إذا كانت الشكوى من الصحف والتحذير منها تكفي، أم أن المبادرة في التأثير في هؤلاء المصلين بالشكل الذي يضمن عدم تأثرهم بسهولة بما يطرح في وسائل منافسة استحوذت على اهتمامهم وغيرت في سلوكهم هو الأفضل؟
موقف هذا الخطيب أو ذاك من الصحافة ليس هو ما استفزني، إنما أنا غاضب ومتحسر كون هذا الخطيب لديه عوامل تساعده في التفوق على الصحف والكتاب، لكنه لا يحسن استثمارها في التغيير والإصلاح والتقويم، ثم هو يبرر من حيث يعلم أو لا يعلم عدم قدرته في التأثير وإحداث تفاعل وتجاوب مع ما يطرح عبرالطعن في الصحافة والصحفيين، والتشكيك في منهجهم وأهدافهم ومراجعهم وأنهم بكل بساطة يحبون أن تشيع الفاحشة في الناس.
قبل أسبوعين التقيت واحدا من الخطباء الأفاضل، ووددت منه أن يفيدني عن سبب الشكوى من الصحافة والصحفيين، التي باتت شبه مسموعة في كل خطبة جمعة لدى عدد ليس بقليل من الخطباء، وقلت له: "يا شيخ تشكون منا، بينما أنتم لديكم ما ليس لدينا". فقال لي مثل ماذا؟ فقلت له أنا لا أستطيع أن أجبرك على أن تشتري صحيفتي، وإن اشتريتها بمحض إرادتك فلا أضمن أنك ستقرأها كلها أو أن تقرأ مقالتي، ثم إنك لن تأثم لو لم تشتر الصحيفة، لكنني آثم ما لم أحضر خطبة الجمعة، ومطلوب مني أن أنصت لها، وهذه نعمة من الله تعالى، لكن الكثير من الخطباء لم يحسن استثمارها.." فقاطعني الشيخ وهو يضحك قائلا: هي علة موجودة، لكنها ليست عند كل الخطباء، فقلت له هذا صحيح، وفي المقابل ليست كل الصحف وليس كل الكتاب على حق فيما ينشرون ويكتبون، فلديهم الكثير من الأخطاء وعليهم الكثير من المآخذ، لكنني ممتعض من كون الخطيب يشكو من الصحف، وأنا يهمني ألا يشكو، بل أن يساهم في التغيير عطفا على عدد الحاضرين عنده والسامعين له في كل أسبوع، ولو تمكن الخطيب فقط من إلزام المصلين بوضع أحذيتهم في المكان المخصص لها في المساجد، وتمكن من إقناعهم بعدم سد الطرقات بسياراتهم بحجة حضورهم لصلاة الجمعة لشارك في تغيير سلوك ننشده، فكيف هو الحال لو تطرق لمثل ما يتطرق إليه كتاب الصحف من كشف ونقد لسلوكيات وممارسات تنخر في مجتمعنا، مثل الفساد والغش والتزوير والسرقات والجريمة.. وعزز طرحه بما يسنده من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة.
بودي أن يقتنع الخطباء بمسائل السلوكيات والأخلاق، وألا يذهبوا للبعيد على حساب القريب، ويتذكروا ما ورد في الأثر (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).