فاجعة غياب الرجل الثاني في الهرم السعودي سياسياً واجتماعياً، الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله تعالى - لايمكن وصفها بكلمات أو عبارات إنشائية تسابق الجميع على طرحها منذ صدور بيان الديوان الملكي بفقد الأمير الإنسان والقيادي والرمز الوطني الخالد.
فاجعة عظيمة ولاشك, لكن هذه سنة الحياة فـ(كل من عليها فان ولا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام)، إيماننا بالقدر إيمانا لا يتزحزح, ومن هذا الإيمان أن هناك حياة وموتا.
والرصيد الأبقى لأي إنسان في حياته أو مماته هو ذلك الإرث الذي يصب في مصلحة الوطن، ومنه ذلك الذي يصب في مصالح شخصية نبيلة وتعامل حسن مع الناس دون استثناء.
وكل هذه الفضائل جميعها تترسخ في شخصية الفقيد الغالي, فهو ذو إرث عظيم على صعيد خدمة بلاده المملكة العربية السعودية طيلة أكثر من نصف قرن, كان خلالها ركنا أساسا في بناء هذه البلاد والتحاقها بركب التطور والتحديث الدولي، حتى أصبحت المملكة ـ ولله الحمد والمنة ـ من الدول المشهود لها بسمات الحضارة والتطور في شتى المجالات، تسير في خطوات سريعة نحو كثير من التطوير والتحديث المتوافق مع مبادئ وقيم ومثل هذا المجتمع المحافظ الذي أسس لبناته الأولى مؤسس الدولة العظيم، جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، منذ قرن من الزمان.
كان للأمير سلطان يد طولى في كل مناحي الحياة في بلادنا، إن كان على الصعيد السياسي حتى أصبحت هذه الدولة ركيزة أي عمل دولي يختص بسياسات الشرق الأوسط أو العالم أجمع, وإن كان على صعيد التنمية فهو قد ساهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تعميم ملامح التنمية المتعددة في كافة أرجاء المملكة في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها, وإن كان على الصعيد الأمني فهذا عالمه واهتمامه وتركيزه أكثر من غيره من الجوانب, فانتقلت البلاد في هذا الجانب من البدائيات في المناحي الأمنية إلى عالم متقدم جداً على مستوى التحديث والتهيئة للرجال والكوادر التي كانت أحد هواجسه – رحمه الله – بأن يعطى المواطن فرصاً كبرى ليكون هو لا غيره من يقوم بالواجب في تفاصيله الدقيقة.
من الصعب جداً إيجاز مسيرة رجل بمكانة وقيمة وأهمية فقيد البلاد الكبير، سلطان بن عبدالعزيز - مع حفظ الألقاب - في سطور مقالة محكومة بمساحة وزمن, بيد أن هناك جزئية مهمة جداً في شخصيته ـ رحمه الله ـ ألا وهي ذلك الحس الإنساني النبيل الذي يُسير خطواته وقراراته واهتماماته, حتى إن ذلك بات ملاصقاً لشخصيته للملأ في الداخل والخارج.
صحيح أن مجالاته للسياسة أقرب، لكن الحقيقة تقول إنه للعمل الإنساني أكبر بكثير لمن يريد أن يستحضر الأرقام والحقائق المعلوم منها وغير المعلوم، وهو النسبة العظمى من نشاطاته، يرحمه الله. وهذا الحس النبيل في شخصية الفقيد انعكس صورة جميلة تبدت ملامحها في تلك البشاشة التي لا تغيب عنه, فلا يعرف ابتسامات الزيف ولا ابتسامات الألوان التي تهيمن على الساسة والقادة من نظرائه الدوليين، غير أنه لم يأبه بتلك الشكليات المزيفة, وآمن أن إنسانيته هي المكون الطبيعي والحقيقي لشخصيته وليست مظاهر السياسة ونحوها من البروتوكولات.
إنني وكثيرا من أمثالي في الأسرة السعودية الكبيرة، ربما مع الزمن قد تمر علينا معلومات وإنجازات جبارة قام عليها، لكن من المؤكد أننا لن ننسى تلك الابتسامة والبشاشة التي انغرست في سيماء ملامحه الرائعة، واستقرت في عقولنا وقلوبنا بشكل طبيعي لا إرادي, وما أجمل أن يكون إرث أي إنسان سمات إنسانية خالدة!!