كتبت كثيراً عن جامعة جازان وقد أكتب أكثر، فما حضرت مناسبة أقامتها هذه الجامعة إلا وخرجت بانطباع يفوق انطباعي السابق، الأمر الذي أشعر معه أنها تعيش تطوراً متلاحقاً لا يستطيع قلمي اللحاق به.

اليوم أتحدث عن نشاطٍ آخرَ من أنشطتها، وهو: ختام فعالياتها بمناسبة يومنا الوطني، مع أن القلم قد لا يجد ما يكفي من الحبر لوصف ما رأى من تلاحم بينها وبين مجتمعها ووطنها، في الوقت الذي اعتادت فيه الشعوب على مر التاريخ أن الجامعات منوط بها فقط تقديم العلوم والمعارف من داخل أبراج عاجية، أو لنقل: من خلف أسوار ذهبية لا يدخلها إلا عِلْيَةُ القوم، ولم تعتد مشاركة المجتمع أفراحه ومناسباته الدينية والوطنية.

في جازان شاهدت الانسجام بين الجامعة والمجتمع في أبهى صوره، حتى لم يعد بوسعي أن أفرق بين عضو هيئة تدريس وبين فلاحٍ يعيش حياته في الحقل تحت لهيب الشمس، ولا بائعٍ يقضي وقته تحت سقف دكانه الصغير، ولا رجل يستقطع جزءاً من نهاره في فيء حائط بيته ينظر إلى المارة، ولا مسن بالكاد يقضي وقته بين منزله ومسجده، ولا طفل لم تبلغ أحلامه أروقة الجامعة بعد، ولا امرأة تنظر إلى مستقبل وطنها عبر منارات المعرفة.

معالي مدير جامعة جازان الأستاذ الدكتور محمد بن علي الهيازع، حطم هذه التقاليد العاجية والحيطان الذهبية وألبسها المجتمع، فهو لم ينتظر أن يأتي الناسُ إلى الجامعة، بل حملها إلى كل حقلٍ وشارعٍ وبيت، وأودعها في كل قلب، تماماً كما أودعها في كل عقل.. وإن كان قد دفع بها إلى مصاف جامعات العالم، فهو قد دفع بها من قبل إلى وحدة صف الوطن محققاً استشعار المواطن وطنه.

إنني وايم الله أدمعتُ فرحاً وأنا أنظر إلى آيات السرور على محيا الأمير والصغير والكبير، وهم يحتفلون بلُحمة وطنهم بمختلف ثقافات أفراحه على اتساع أرجائه، في الوقت الذي رسمَ حضور سمو الأمير محمد بن ناصر أمير منطقة جازان رَحِماً واحداً لكل أبناء الوطن، ولا غرو أن يقف وراء إنجازات الجامعة، ويحضر كافة مناسباتها العلمية والاجتماعية والوطنية مذ شارك في وضع لبنتها الأولى بقيادة خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله ويرعاه.. وأبارك لكل أبناء الوطن شفاء مليكنا الغالي.