جاء إليها وهي أشبه بفردوس من عبير ، هزه جموح بهائها ، وشرفات مواسمها ، ومرايا أحلامها ، تغسل بضحكتها الأمطار ، وتضيء بسحرها خبايا الأرواح ، تأمل وجه القناديل في مساءاتها وفيض الأمل المرتجى في خطواتها، وكأنها تستجير به أن يمنحها شيئاً من أكسير العطاء؛ بعد أن ضجرت من لظى الانتظار والغياب الطويل خلف مدارات الدهر ، بل أوشكت الأيام أن تمحو نضارتها ، وتدفن غلالة شاعريتها، أصغى خالد الفيصل إلى حرير كلامها المخملي ، فسار بهودجها إلى بهو الحضارة ، وممالك الضياء ، ورحيق الأساطير فأورقت كلماته كالعشب ، وتوهجت حروفه كقسمات الصبح، متلبسة بالعطر والورد وطلع العبق ، يقول الأمير في آخر كتبه، والذي عنونه بـ "كلمات" "من روابي عسير الخضراء جئت أحمل إليكم تحية وسلاما ، ومن سهولها الفيحاء باقة ورد لم تزل بالحب ندية ". ويقول في مقال نشر بصحيفة الوطن "عسير هذه المنطقة التي وقعت في أسر هواها منذ النظرة الأولى ، وقد يعتقد البعض أن هذا الهوى الرفيع بيني وبين عسير يرجع إلى الطبيعة الخلابة ،والجو البديع فحسب ، بيد أن المرجعية الأساسية لهذا الحب والإعجاب إلى حد الانبهار كانت ولا تزال إلى إنسان عسير، دينه وخلقه وإبداعه ثم حبه للحياة وممارستها بتلك البهجة العسيرية الجميلة المتميزة ،هذا الإنسان المشهور بالأصالة والشجاعة والكرم ، يتمتع بروح جميلة فريدة في استقباله لك بالتراحيب : " ارحبوا " " مرحباً ألف " مفردات عسيرية تنطلق بها الحناجر ، وتخفق بها القلوب وتستبشر الوجوه ، وترتاح النفوس " ويقول مخاطباً خادم الحرمين الشريفين " هذي عسير هلت المزن على جبالها فسالت جحافل من رجالها ، تعادي من عاداك ، وتنصر من والاك، اضرب بهم البحر والبر ، وازرع بهم الصحراء تخضر ، إنهم أبناؤك يعشقون التضحية فداءك ، ثابتون على العهد ثبات الجبال ، عازمون على الوفاء عزم الرجال " ويقول في كلمته المؤثرة التي ألقاها في حفل وداعه لأبناء منطقة عسير عام 1428 وتعيينه أميراً لمنطقة مكة المكرمة " لله دركم ، وإلى طريق الخير دلكم ، كيف أودعكم اليوم ؟ كيف أودع عسير ؟ كيف أودع النحل والطير والثمر والشجر ؟ كيف أودع زهرة عمري وشبابي ؟ كيف أستطيع عن عسير التحدي غيابي ؟ إيه عسير تغنت الأطيار على فرعك بشدوي ، وكم تجرحت الأقدام على صخرك بعدوي ، كم تخطيت معك الصعاب ، وركبت على سفينتك الموج العباب ، سوف أذكرك مع كل نسمة جنوب ، ومع كل لحظة شروق وغروب ، سوف أذكرك مع كل قصة أسطورية ، ومع كل همة للمجد عليَّة ، ومع كل حسن وجمال ، ومع كل شجاعة في رجال ، إيه عسير إن كنت قد قصرت معك فاعذريني ، وإن قبلتَ الحب مني فاذكريني " .