تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر الدول مساحة في منطقة الشرق الأوسط، وتترامى مساحتها بما تقديره (2,149,690) مترا مربعا. وتحتل بمساحتها هذه الترتيب الـ(12) عالمياً على مصاف الدول الأكبر حجماً من حيث المساحة حسب التصنيف الجغرافي الدولي، ويبلغ عدد سكانها الكلي مع المقيمين (27,136,977) مليون نسمة. عدد المواطنين السعوديين (18,707,576) مليون نسمة بحسب مصلحة الإحصاء العام السعودية لعام 2010. وتحتل بهذا العدد من السكان الترتيب الـ(47) على المستوى العالمي. وفي ظل هذا العدد المريح من السكان قياساً بالمساحة والثروة؛ تخصص الدولة ميزانية جيدة جداً للقطاع الصحي. ويُعتبر هذا القطاع من بين الأوفر حظاً مقارنة مع بقية القطاعات الأخرى للدولة باستثناء القطاع العسكري. فالصحة تحديداً من أهم القطاعات التي لا تقبل أنصاف الحلول، ولا تقبل حتى القليل من العبث (المسألة هنا تتعلق بالحياة والموت)، والدولة تدرك ذلك تماماً، لذا توليها اهتماماً خاصاً يتناسب مع أهمية الصحة، من خلال دعمها لميزانية هذا القطاع على الدوام، إذ بلغت الميزانية الحالية المخصصة له هذا العام 1432 ما يقارب الـ(69) مليار ريال، أضف إلى ذلك مبلغ (16) مليار ريال تبرع بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله (حفظه الله) دعماً لخدمات هذا القطاع الحساس جداً. ليرتفع المبلغ الإجمالي إلى (85) مليار ريال تقريباً، إلا أن كل ذلك لم يرتق بالقطاع الصحي في السعودية بما يُرضي المواطن بشكل جيد. ويعكس ذلك تذمر بعض المواطنين من سوء أداء بعض المرافق الصحية (كالمستشفيات) في بعض مناطق متفرقة من المملكة، صاحب ذلك موجة من عدم الرضا نتيجة لتزايد حالات الأخطاء الطبية والتشخيصية بشكل ملحوظ في العقد الأخير. وعندما نتأمل حجم الناتج كأداء، نجده لا يتوازى مع حجم الإنفاق المالي للدولة بطريقة تدعوك إلى التعجب! فالدولة هنا قد منحت تقديرها باهتمام بالغ تعكسه الأرقام المالية المرصودة لهذا القطاع، ولكن سيذهب عنك بعض ذلك التعجب حينما تعلم أن نوعية الكادر الطبي، وكذلك نوعية كادر العمالة بالمرافق الصحية قد استبدلا بنوعية أخرى ليست بمستوى السابقة لهما. فمثلاً العمالة الفلبينية التي كانت تستعين بها وزارة الصحة في مرافقها الصحية من مستشفيات ومراكز صحية سابقاً؛ تم استبدالها تدريجياً بالعمالة البنجالية والسيريلانكية، وهي كما هو معلوم للجميع لا ترقى تدريباً أو تنظيماً لمستوى سابقتها مطلقاً، ولا يمكن بأي حال المقارنة بينهما، ولا أعتقد أن هناك من يخالفني الرأي في ذلك. صحيح أن عدد المستشفيات قد ارتفع إلى أكثر من (240) مستشفى، وقفز عدد مراكز الرعاية الأولية إلى أكثر من (2000) مركز صحي، بالإضافة إلى العديد من الوحدات الصحية المدرسية بجميع أنحاء المملكة، ولكن بالمقابل نلاحظ ارتفاع مخصص الميزانية للقطاع الصحي أيضاً، البعض يرى في خصخصة هذا القطاع حلاً للعديد من المشكلات الحالية. فما معنى الخصخصة إذن؟
الخصخصة تعني نقل مسؤولية إدارية أو ملكية أو نشاط اقتصادي ما من القطاع العام إلى القطاع الخاص بشكل كلي أو جزئي حسب اتفاقية مسبقة. وفي حال تم إقرار تخصيص القطاع الصحي بالمملكة العربية السعودية فإن ذلك يعني تأجير المستشفيات إلى القطاع الخاص، لتتفرغ وزارة الصحة لعملية الدراسات التطويرية والتنظيمية وما شابه، والإشراف على تحقيق حالة التنافس بين الشركات الخاصة المستأجرة لتلك المرافق فيما بينها، من حيث تقديم الخدمات الأفضل التي يستفيد منها المواطن. وكذلك توفير ملايين الريالات سنوياً لخزينتها، وتصبح وزارة الصحة حينها طرفاً محايداً بين الطرف الذي يقدم الخدمة والمستفيد منها، بمعنى (القاضي بين الطرفين)، وسيرتبط ذلك بسن نظام التأمين الصحي للأفراد. يقترح البعض أن تبدأ (بمتوسطات) من (1000 إلى 2000) ريال (للفرد). كل ذلك جيد، وهو تحول من شأنه القضاء على البيروقراطية القائمة حالياً، ولكن تبقى هناك استفهامات حول الكثير من الآليات التي سيطبق بها هذا التحول، وآليات العمل داخل هذا النظام الجديد، ومدى استطاعة بعض الأسر دفع مبلغ التأمين الصحي سنوياً. فهناك العديد من الأسر متوسطة الدخل أو الفقيرة (كثيرة العدد) بالكاد تُغطي نفقاتها اليومية، ولن تكون قادرة على دفع تكاليف التأمين الصحي السنوية، وهذا يعني حرمانها جزئياً أو ربما كلياً من التمتع بنعمة الاستشفاء في المستشفيات بشكل جيد كما هو الوضع حالياً. وهل معدلات دخل الفرد تسمح بتطبيق تلك النسب المقترحة؟ ثم ما هي الضمانات التي تكفل عدم استغلال تلك الشركات الخاصة للأمر، والشروع في ابتكار أساليب مختلفة لابتزاز المواطن طمعاً في الكسب المادي السريع على حساب الجودة والنوعية؟ وكيف ستكون سرعة استجابة الوزارة في حل المشكلات بين الطرفين في حال حدثت؟ وهل سيكون تعامل تلك الشركات مع المتضررين على طريقة (ادفع أولاً ثم اشتك وتظلم).
حديثي هذا ليس تشكيكاً في الذمم والنوايا أو استباقاً للأحداث، بقدر ما هو قراءة واقعية لأمور قد تحدث مستقبلاً في حال بدأ تطبيق نظام الخصخصة للقطاع الصحي، وإشكالات قد تكون من يوميات الطرفين (مقدم الخدمة والمستفيد منها). وما تأجيل تنفيذ نظام الخصخصة بالقطاع الصحي أكثر من مرة إلا دليل على صعوبة تطبيقه على أرض الواقع، وحرص الدولة على التريث أمر يُحسب لها بكل تأكيد. وبصدق أعتقد من وجهة نظر خاصة أن الوقت لم يحن بعد لتطبيق الخصخصة على النظام الصحي تحديداً، لأنه حساس.