مفهوم الابتزاز من المفاهيم الموجودة في مختلف المجتمعات منذ زمن، ولكنه لا يستخدم إلا في حالات نادرة، أو لا يتم اللجوء إليه إلا في أضيق الحدود، وقد يكون محصورا في مجال، أو مجالين، أما في وقتنا الحاضر فقد أصبح الابتزاز من القضايا المجتمعية التي تؤرق أغلب أفراد المجتمع، ويعد الابتزاز من السلوكيات السلبية التي يتصف بها شخص ما، أو يمارسها مستغلا بذلك سلطته، أو مكانته، أو منصبه، أو قوته لتحقيق أهدافه من فرد آخر، أو من مجموعة أفراد، أو من مؤسسة نتيجة لضعف يدركه الشخص الذي يمارس الابتزاز، ولديه شواهد، أو أدلة يوظفها كأداة ضغط، وتهديد، لتحقيق مطالبه، وبذلك يكون هناك تعد واضح على حقوق الآخرين بدون وجه حق، واستغلال مشين لخصوصياتهم، ونتيجة لتكرار ظهور قضايا الابتزاز أصبح هناك تصنيفات لهذا السلوك غير السوي فمنها: الابتزاز المالي وما يترتب عليه من قضايا، مشكلات وخلافات، وإشغال للجهات المسؤولة عن هذا الجانب، والابتزاز العاطفي وما ينتج عنه من مشكلات أخلاقية، وتحرش، وما يتبع ذلك من نتائج، وقد يترتب عليه خلافات أسرية، ويصل الحد في بعض الأوقات إلى تفكك أسري، والابتزاز الإلكتروني، وهو من الوسائل الحديثة للابتزاز عندما يكون هناك استغلال سيئ للتقنية ونتاجاتها المختلفة من قبل بعض الأفراد الذين لا يدركون الجوانب الإيجابية للتقنية واستخداماتها، ويركزون على الجوانب السلبية منها فقط، ويوظفونها.
وفي مجتمع محافظ تسيطر عليه ثقافة العيب في كثير من الجوانب، قد يعمد الكثير من أفراده إلى التكتم على بعض التعديات، والممارسات المشينة التي يقوم بها بعض الأفراد من تحرش، وابتزاز، واغتصاب، وغير ذلك من الأفعال التي لا يقرها دين، ولا عرف، وعدم التقدم بالشكوى من البعض يكون نتيجة للخجل، أو التخوف من العيب، والنظرة الاجتماعية الدونية لمن يقع ضحية لمثل هذه الممارسات، ولا يتم الإبلاغ عن هذه الحالات إلا بعد أن تصل إلى حد لا يطاق، وما تعرضه وسائل الإعلام المختلفة بين الحين والآخر من قضايا للابتزاز لا تمثل إلا نسبة قليلة من الواقع الفعلي للحالات، ولا توجد إحصائية دقيقة تعكس واقع قضايا الابتزاز نتيجة لعدم الإبلاغ عن كثير منها، وأغلب ضحايا الابتزاز هم من البنات في سن المراهقة، ومن النساء، وآخر قضية ابتزاز ما نشر في هذه الصحيفة في عددها الصادر يوم الاثنين 19 /11 /1432 التي راح ضحيتها عدد من منسوبات إدارة التربية والتعليم "البنات" في منطقة عسير من معلمات، وموظفات من خلال استغلال موظف بهذه الإدارة لسلطته، ولمنصبه، وقد وعد ضحاياه بأنه سيقدم لهم الخدمة، وهذا بداية الاستدراج حتى الحصول على بعض ما يمكنه أن يستخدمه ضدهن، ويجعله وسيلة ضغط عليهن إذا لم يحققن له أهدافه الحقيقية، وقد يقوم بإيذائهن، ويلحق الضرر بهن فيما يتعلق بوظائفهن، وبعض ضحاياه وللأسف حققن له مطالبه المالية، وغيرها من المتطلبات التي قد تصل إلى العلاقات المحرمة، وأصبح يمارس تلك السلوكيات بدون وازع ديني، أو رادع أخلاقي، وقد يتباهى بها أمام زملائه، والمقربين منه، وقد يتكرر المشهد في هذه المنطقة، أو مناطق أخرى إذا لم يتم إيقاع أشد العقوبة على المبتز في حالة ثبوت ذلك عليه، وجعله عبرة لغيره.
وهنا أرى أن موضوع الابتزاز بمختلف أنواعه، وأساليبه من الآفات التي تنخر في جسد المجتمع، أو مثل المرض الذي يؤدي إلى الموت البطيء لهذا المجتمع، وأعتقد أن جميع أفراد المجتمع بحاجة إلى وقفة جادة، ومحاسبة النفس فيما يتعلق بهذا الداء، وأن يقوم كل منا بدوره، فالأب، والأم، والأخ، والأخت على مستوى الأسرة كل مسؤول عن مراقبة أفراد أسرته، وتوعيتهم، ونصحهم، وتوجيههم، وإرشادهم فيما يتعلق بموضوع الابتزاز، وكيفية الوقاية من الوقوع فيه، أو آلية التعامل معه عندما يصبح الشخص ضحية له، كذلك المعلم في صفه، وعضو التدريس في قاعته مطالب بمناقشة هذا الموضوع من كافة الجوانب عندما يكون الوقت مناسبا لمناقشته، وتوضيح ما يترتب عليه من جوانب سلبية على الفرد، وعلى المجتمع بشكل عام، وعلى إمام المسجد دور، ومسؤولية كبيرة في مناقشة الابتزاز في حلقات، ودروس المسجد، وخطبه، والإعلام بمختلف وسائله مطالب بمناقشة مفهوم الابتزاز، وأنواعه، وأسبابه، وأضراره، وأساليب علاجه، ودور قطاعات المجتمع المختلفة في الحد منه، كما أن المجتمع ممثلا في أفراده مطالب بالتعاون مع الجهات المختلفة في المجتمع بالإبلاغ عن حالات الابتزاز، وعدم التكتم عليها، ونشر الثقافة الصحيحة، والتوعية اللازمة لكي يتم الحد من هذا السلوك الذي يمارسه بعض الأفراد غير الأسوياء، وفي حالة تزايد حالات الابتزاز في المجتمع قد تتعدى كونها مشكلة اجتماعية، بل قد يصل الحد بها إلى أن تكون ظاهرة، ولا يمكن التعامل معها بسهولة، أو التقليل منها، ويصبح التخلص منها شبه مستحيل إن لم تتكاتف الجهود لمعالجة هذا الوباء، والقضاء عليه في مراحله الأولى، حفظ الله وطننا، وأفراده من كيد المفسدين، ومن تخطيط المبتزين.