على مدى ثلاثة عقود، ظلت خطابات الرئيس المصري حسني مبارك ملتزمة ومقتضبة ومنضبطة ونازعة نحو التعبير، دونما إغراق في الإيحاء أو إعطاء الانطباع أو استخدام المجاز، لكن خطابه إلى شعبه الليلة قبل الماضية مثّل تغيرا فارقا في هذا الإطار.

حافظ مبارك، الذي أمضى 30 عاما من حياته طيارا في سلاح الجو وقائدا للسلاح ونائباً للرئيس المصري، ومثلها رئيسا للبلاد، على رباطة جأشه وصلابته، لكنه غيّر من نبرة صوته، وحمّل كلماته مسحة من العاطفة، يبدو أنها لمست قلوبا في الشعب المصري المعروف بعاطفيته.

سمع المصريون رئيسهم يقول فيما يشبه الطلب: "أريد أن أختتم عملي من أجل الوطن بما يرضي الله والشعب، وبما يضمن تسليم رايته ومصر عزيزة وقوية بما يحفظ الشرعية ويحترم الدستور"، بعدما ذكرهم بأنه "يعتز بما أمضاه من سنين في خدمة مصر وشعبها".

كانت الكفة حتى اللحظة التي أذاع التلفزيون الرسمي فيها هذا الخطاب تميل ناحية المحتجين الغاضبين المنتشرين في ربوع البلاد، وكانت التوقعات ترجح استمرار الضغط على الرئاسة حتى إجبار الرئيس على الرحيل، لكن عددا من العوامل المتضافرة، وبعض السياسات والإجراءات التي اتخذت في الأمن والسياسة والدبلوماسية وعلى أرض الشوارع غيرت الوضع قليلا، أما ما أتى بالتأثير الحاسم، فقد كان عبارة الرئيس: "عشت في مصر وحاربت من أجلها ودافعت عنها وعن سيادتها وسأموت في أرضها".

عندما بدا الرئيس، في مرة نادرة، قادرا على تقديم "تنازلات" تحت ضغط الاحتجاجات، وعندما بدا مصرا على أن يختم حياته الحافلة كـ "جندي في الميدان لا يهرب من المسؤولية"، وعندما أكد قاطعا رغبته في "الموت في مصر"، تفجرت دموع مصريين عديدين.

كان لافتا أن البكاء لم يتوقف عند الفنانين الذين عبروا عن مواقفهم عبر التواصل مع الفضائيات، ولكن أيضا لدى بعض الجمهور في المنازل.