مدير عام الجوازات الفريق سالم البليهد رد على سؤال "الوطن" الأسبوع الماضي حول غياب الابتسامة عن موظفي الجوازات، بالقول: هل الذي لا يبتسم موظف الجوازات فقط؟ أم كل الموظفين في جميع القطاعات؟ معللاً عدم ابتسامة البعض بأن هناك عوامل خارجية تجبر الموظف على أداء عمله بلا ابتسامة، وأردف قائلاً "من يقول إن موظفي مطارات أوروبا يبتسمون للمسافر، كلنا سافرنا إلى أوروبا، ولم نجد الابتسامة التي يذكرها البعض".

وسأعرض على معالي الفريق هذه الأسئلة التي لن تتجاوز حدود تصريحه فقط، فإذا كانت القطاعات الأخرى مقصرة في جزء مهم، فهل سنبحث عن قصورها ونعلل قصورنا بهم كشماعة تبرير في الإدارة العصرية في القرن الحادي والعشرين؟ وما تفسير المبرر ودائرة انطلاقه من أن جميع القطاعات لا تبتسم، وعندما يوضع التبرير في طريق ممتلئ بالأعذار وجعل إدارة كاملة لا تبتسم من أجل أن القطاعات الأخرى لا تبتسم فلا ضير في ذلك!

وهل وصل بنا أن يكون الغرب بعبعاً نتخذه أنموذجاً لنا في الغداة والآصال وفي كل صغيرة وكبيرة حتى جعلنا من الابتسامة جزءاً من ذلك؟ رغم أن الإبتسامة للأمانة هي جزء من أدبياتهم، وركن جوهري في كل ثقافة إدارية في الدول والمنظومات التي تهتم بنجاح مشهدها الإداري، حسناً وإن لم نر ذلك منهم فلماذا على الأقل لم نقلدهم في التخطيط والإنجاز والتنظيم والارتقاء بالخدمة ورقيها؟

وكيف سيفسر جميع ضباط وأفراد الجوازات هذا التصريح الذي أتى من رأس الهرم الإداري لهم؟ وما نتمناه ألا يفهموه كإيماءة باستمرار الجفاء وردة فعل غير مباشرة لمفهوم تصريحكم.

الميثاق الأخلاقي لكل مؤسسة ووزارة يفرض الاتصال الإيجابي والتعامل الجيد وأبسط مقوماتها الابتسامة، وخاصة لكل جهة تواجه الجمهور وفي مقدمتها إدارة الجوازات التي يلقى على عاتقها جزء هام من أساسيات مهارات الاتصال وأبجدياته، كون العاملين بالجوازات وخاصة في المطارات والمنافذ والمكاتب ذات الصلة هم الواجهة الرئيسة ورمز المكان وحلقة الوصل والأساس بين الخدمة والمواطن والمقيم والزائر دون فرق بين جنس أو لون أوهوية، فكان لزاماً علينا أن نعيرهم الأولوية في الاهتمام من حيث النظر في خدمتهم للأخلاقيات المهنية، وأن نضمن لهم المكانة المرموقة والاحترام في أوساط الدولة ككل، عن طريق تقديم الخدمة بأقصى سرعة ممكنة والتحلي بالصفات الأخلاقية الحسنة، والتمتع بالجمال الداخلي في روح التعامل، كالابتسامة المشرقة، والمظهر الحسن، بدلاً من رفع الصوت، وإشارة اليد، ونظرات التهكم أو أي تصرف أو سلوك يمكن أن يجرح الجمهور.

العبوس والغلظة ليسا من الدين في شيء، خاصة في واجهة الوطن، وتلك لفتات غير مكلفة أرشدنا إليها خير البشر ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن نعرف الغرب: "تبسمك في وجه أخيك صدقة" ويصف حسن الخلق: "بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى" و يقول: "كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق".

يقول عالم النفس الشهير ديل كرنيجي في كتابه (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الآخرين): "إن ما يقال إن سر النجاح يكمن في العمل الجاد والكفاح فلا أؤمن به متى تجرد من الإنسانية اللطيفة المتمثلة في البسمة اللطيفة".

بعض المسؤولين يرى أن الإنجاز أهم من الابتسامة، ولكن كيف نتفق في ذلك إن لم نقدر على صنع ابتسامة فقط؟ قد يكون ذلك صحيحاً في معادلة واحدة فقط أن الإنجاز وصل إلى حد الرضى، وكما يقول المثل الصيني : "الرجل بوجه غير باسم لا ينبغي أن يفتح دكاناً"!

معالي الفريق.. إن رأيتم أن الابتسامة ليست مهمة، فنحن نراها مهمة، بل نحن في أمس الحاجة لها، فالابتسامة لن تنقص من كرامة المهنة، بل ستجعلها مكمناً للفخر سلوكاً ومكانة اجتماعية. وكما يقول المفكر الإسلامي أحمد أمين: "ليس المبتسمون في الحياة أسعد حالاً لأنفسهم فقط، بل هم كذلك أقدر على العمل وأكثر احتمالاً للمسؤولية، وأصلح لمواجهة الشدائد ومعالجة المصائب، والإتيان بعظائم الأمور التي تنفعهم وتنفع الناس".

معالي الفريق مع جهودكم الملموسة ومنسوبيكم التي لا ننكرها نتمنى أن نعيد حساباتنا، حتى وإن افتقدنا الابتسامة، ففقدانها أصبح ـ مع الأسف ـ جزءاً من ثقافة مجتمعنا، لنقول: ابتسموا فنحن وأنتم بحاجة لابتسامتكم.