تدور هذه الأيام رحى المنافسة الدولية في كرة القدم على ملاعب جنوب أفريقيا. ولما كانت الحياة عبارة عن "لعب ولهو" فإن المتأمل في لعبة كرة القدم يستطيع استخلاص دروس ثمينة للاستفادة منها في لعبة الحياة.

يبذل الفريق في ميدان كرة القدم قصارى جهده من أجل إلقاء الكُرة في مرمى الخصم، لا يقيده سوى حدود قانون كرة القدم، الذي تعتمده منظمة الفيفا الدولية وتعلنه بشفافية كاملة، وتحرص على أن يكون مرناً إلى الحد الأقصى من أجل انسيابية اللعبة وإثارتها ولكن دون الوصول إلى الفوضى والمساس بسلامة اللاعبين، وأن يكون متجدداً في ضوء التجارب وصارماً حاداً في مجال التنفيذ. ويراقب تطبيق القانون أثناء اللعب هيئة تحكيم لها نفس خصائص الجهات التنظيمية والمحاكم في اللعبة الاقتصادية، وتتفوق عليها في درجة الشفافية حيث الجماهير الغفيرة تراقب من المدرجات وعبر التلفزيون كفاءة اللاعبين وعدالة الحكم ونزاهته.

في ميدان الحياة تجري لعبة مماثلة، تُسمى اللعبة الاقتصادية، يتبارى فيها فريقان من اللاعبين، بائعين ومشترين، يتفاوضون ويعقدون صفقات في كل ما يخطر على البال من سلع وخدمات، ويسعى كل طرف للحصول في هذه اللعبة على أفضل ثمن، يستوي في ذلك أن تكون الصفقة مقايضة سيدة في العصر الحجري ما اصطادته أو التقطته من حيوانات أو فواكه مقابل حصولها على قواقع بحرية تُزين بها صدرها، أو تكون الصفقة شراء سيدة عقد ألماس من متجر في لندن مقابل نقود إلكترونية. وكما هو الشأن في كرة القدم، يخضع الأطراف في هذه المنافسة لقوانين راسخة سواء أكانت عرفية أو سماوية أو أرضية، يترتب على غيابها أو اختلالها فساد تلك اللعبة وانهيار العملية الإنتاجية. فلو أن حسناء العصر الحجري مثلاً انهالت بهراوتها على تاجر القواقع وانتزعتها منه بالقوة، أو لو أن النبيلة الإنجليزية استخدمت نقوداً إلكترونية مزيفة، لأقفرت صدور سيدات العصر الحجري من أصداف البحر النقية الجميلة ولعمت المجاعة ولأفلس المتجر اللندني.

الدروس المستفادة من لعبة كرة القدم إذاً هي أن القوانين المنظمة للاقتصاد يجب أن تكون واضحة كالشمس، مرنة متجددة في ضوء التجارب، صارمة حادة في التنفيذ، وأن تكون جهة التقاضي شفافة مثل الكريستال. المرونة الزائدة في البيئة القانونية تشيع الفوضى وأكل أموال الناس بالباطل، والتشدد يؤدي إلى الرتابة والجمود ويقتل الإبداع ويكبح روح المغامرة الخلاقة. وبين المرونة والتشدد تأتي الحكمة (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً).