نعاود الحديث مرة أخرى عن التحديات الخطيرة التي تمثلها محطة معالجة مياه الصرف الصحي المزمع إقامتها في الركن الجنوبي الشرقي من مطار الملك عبد العزيز الدولي بمدينة جدة على النظم البيئية في مدينة جدة، تحدثت في المقال السابق عن تأثيرها السلبي على المناطق السكنية المحيطة بهذه المحطة وما يقطنها من أكباد رطبة، واليوم سأتحدث عن تأثير هذه المحطة السلبي على المطار نفسه، وسألخص الانعكاسات السلبية الخطيرة على مطار الملك عبد العزيز بالنقاط التالية:

أولا: سلامـة الملاحـة الجويـة: في أحواض الترسيب التي من المفترض أن تكون مملوءة بمياه الصرف الصحي تقوم البكتيريا غير الهوائية Anaerobic Bacteria بتحليل المواد العضوية أو ما يعرف بالحمأة (Sludge) ، يتصاعد عن تحلل هذه المواد العضوية نوعان من الغازات هما غاز الميثان وغاز كبريتيد الهيدروجين، غاز كبريتيد الهيدروجين غاز ذو رائحة نتنة تشبه رائحة البيض الفاسد, وهذا الغاز أصبح البصمة الفارقة لأجواء مدينة جدة، ويتميز بكونه من الغازات السامة التي تؤدي إلى الوفاة إذا ما تم التعرض له بصورة متكررة، و لا أعلم كيف سيكون عليه حال مطار الملك عبد العزيز مع هذا الغاز خاصة إذا كان اتجاه الرياح جنوبياً!

أما الغاز الآخر وهو غاز الميثان غاز لا لون له ولا رائحة ودرجة سميته أقل من شقيقه غاز كبريتيد الهيدروجين، ولكن خطورة هذا الغاز تكمن في قدرته الشديدة على الاشتعال والانفجار، وإلى هذا الغاز تعزى جميع الانفجارات التي تحدث في جميع مناجم الدنيا، وإليه أيضاً تعزى جميع الانفجارات والحرائق التي تحدث في مرادم النفايات، وأعتقد أنكم تذكرون ما حدث من حرائق وانفجارات مدوية في مدينة جدة منذ عامين تقريباً، التي أغرقت مدينة جدة بسحب كثيفة من الدخان، كان السبب فيها هو هذا الغاز اللعين، و في أحواض الترسيب الخاصة بمحطة المعالجة المذكورة، ستقوم بلايين البكتيريا بالتفاعل في غياب غاز الأكسجين مع المواد العضوية، ونتيجة لهذا التفاعل تتصاعد كميات كبيرة لا يستهان بها من غاز الميثان، الذي سيتصاعد إلى عنان السماء كونه أقل وزناً من الهواء الجوي، وحيث إن هبوط وصعود الطائرات سيمر تقريباً من فوق أحواض الترسيب وعلى ارتفاع منخفض جداً أقل من100 متر كما قدرها الخبراء، هذا الغاز المتصاعد قد يمثل تحدياً خطيراً للطائرات أثناء إقلاعها وهبوطها! وإن كنتم في شك مما أقول فاسألوا أهل العلم في منظمات السلامة العالمية للطيران في كل من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في هذا الشأن، فلو حدث أمر جلل في المستقبل فالمسؤولية ستطال الجميع، كل ما أتمناه وأطلبه أن تقوم هيئة الطيران المدني مشكورة بالتأكد من هذا الأمر فالأمر جد خطير! الأمر الثاني المتعلق بسلامة الملاحة الجوية، متعلق بتزايد أعداد الطيور المقيمة والمهاجرة التي ستجد لها متكأًً بالقرب من أحواض الترسيب، هذه الطيور ستمثل أيضاً تحدياً خطيراً للملاحة الجوية، وهذه المشكلة عانى و يعاني منها الكثير من المطارات العالمية!!

ثانياً: الوضع البيئي للمطار منذ حوالي خمسة سنوات تقريباً في أحد الاجتماعات المتعلقة بهذه المحطة، سألت أحد القائمين على هذه المحطة بوزارة المياه سؤالاً لم يرد في خلده، قلت له في حالة توقف المحطة عن عملها ومهامها لعدة أيام بسبب انقطاع التيار الكهربائي، أو بسبب الصيانة أو لأي سبب آخر، أين ستذهبون بمليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي التي سترد لمحطة المعالجة من جميع أنحاء مدينة جدة ؟، إجابة الرجل على سؤالي كانت كارثية بجميع معاني الكارثة!، قال الرجل بالحرف الواحد سنفتح البزبوز على البحر، بمعنى أن شركة المياه الوطنية ستقوم بتحويل جميع هذه المياه غير المعالجة إلى البحر!، تخيلوا يا أولى الألباب ملايين من الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصحي ستقذف بكل بساطة على سواحل الكورنيش الشمالي الذي يمثل أكبر ثقل سياحي في المملكة العربية السعودية!

ثالثاً: سلامة المسافرين والعاملين في المطار، أحواض الترسيب في المطار ستكون مرتعاً لتكاثر البعوض، الأمر الذي سيكون عاملاً في تفشي جميع الأمراض التي ينقلها البعوض ومنها حمى الضنك، الملاريا، أضف إلى ذلك أن وحدات شفط التبريد (Compressors) ستنشر داخل المطار الروائح النتنة لمياه الصرف الصحة المتمثلة في غاز كبريتيد الهيدروجين، هذه الانعكاسات السلبية ستتأثر بها جميع المناطق السكنية القريبة من محطة المعالجة.

رابعاً: المياه الجوفية في المطار: أحواض الترسيب إذا لم تكن من الخرسانة المسلحة أو على الأقل مبطنة بطبقة سميكة من البلاستك، فستؤثر على المياه الجوفية في المطار، الأمر الذي سيؤثر سلباً على مباني المطار ومدرجات صعود وهبوط الطائرات.

الشركة الوطنية عادة ما تدعي الشفافية والمصداقية في تعاملها مع مشاكل مياه الصرف الصحي في مدينة جدة؛ ولكن الشواهد التي نراها على أرض الواقع تثبت غير ذلك تماماً، وعلى كل حال فاقد الشيء لا يعطيه! المقام لا يسمح بمزيد من السرد وإن كتب الله لنا العمر فسأوضح لكم بشيء من التفصيل التجاوزات البيئية الخطيرة التي ارتكبتها وزارة المياه بحق جميع النظم البيئية في المملكة العربية السعودية، والأهم من ذلك سأوضح لكم تأثير هذه المحطة المدمر على النظام البيئي البحري، ومبدأ البيئة المستدامة.