حوادث، عنف، إنجازات وأرقام ضخمة، وقصص لا تنتهي حول الهيئة، وتتضارب الآراء بين غاضب وداعم، وتتقاذف التصريحات من كل حدب وصوب بين الثناء المبالغ والنقد الغاضب، دون أن يُحسم الجدل. لكن لنكّون رأياً منصِفاً حول هذا الجهاز الذي حيّر الكثيرين، فلنبدأ بعملية تفكيك بسيطة، وذلك بإحالة القضية برمتها من جهاز إداري إلى قضية فكرية تخضع للتحليل والتفكيك. فالفكر هو الأصل، هو من يخلق المشاكل وهو من يصنع الحلول، وبما أن التفكير السليم يبدأ بالتساؤل فسأبدأ بطرح الأسئلة. السؤال الأول: نحن مجتمعات تمارس مفهوم الوصاية، فالكبير البالغ يفهم أكثر من الصغير البالغ ويحق له توجيهه، والمتدين يفهم أكثر من الأقل تدينا، والأب من حقه توجيه الأبناء وإن كانوا فوق الأربعين، إلخ من مظاهر يتم فيها إلغاء حق فرد لصالح فرد آخر يملك سلطة ظاهرية كسلطة العمر والمعرفة والدين، والسؤال هنا: كيف نمارس الوصاية كمفهوم مشرعن، ونعترض على أحد إفرازاته كجهاز الهيئة؟

السؤال الثاني: مع اختلاف أمزجة البشر وطباعهم، فما تستنكره أنت قد يعجب غيرك أو قد يمر به مرور الكرام، فالناس في منطقة ما مثلا قد يستنكرون شيئاً يتقبله الناس في منطقة أخرى. ومشايخ أرض الكنانة من يرتدي منهم الزي الحديث كالقميص والجينز، قد يستنكر من يرتدي الثوب الذي يكشف عن عظمة الساق. فلو فرضنا أن هذا التنوع الفكري متواجد في نفس المساحة الجغرافية فمن يحق له أن يفرض "معروفه" على من؟ ومن سيمنع "منكره" عمن؟ أو أن الحل في هذه الحالة أن يكون لكل فئة جهاز هيئة لمعروفهم ومنكرهم الخاص بهم؟

السؤال الثالث: "المنكر والمعروف" هما في جوانب كبيرة منهما عبارة عن مفاهيم اجتماعية ترجع لذائقة الإنسان، وليست أموراً يتفق عليها الناس كافة، كالحلال البين والحرام البين. وبما أن الهيئة تحارب السلوكيات المحرمة أو التي قد تؤدي إلى الحرام إذا لماذا لا ينظر في مسمى أكثر دقة مما يجعل المهام أكثر وضوحا للهيئة وللمستفيدين من خدماتها؟

السؤال الرابع: نحن نعرف أن طبيعة عمل هذا الجهاز تنص ضمناً على إرغام الناس على عدم اقتراف ما يسمى بـ"المنكر" وإرغامهم على فعل ما يسمى بـ"المعروف"، فلو فرضنا أن هناك امرأة لا تغطي وجهها إلا خوفا من رجال الهيئة، فهل تؤجر على "العمل" الصحيح الذي أرغمت على اتباعه أم أنها تأثم على "النية" المنكرة التي تم قمعها؟

السؤال الخامس: جهاز الشرطة تربطه بالناس نصوص واضحة، يحق للجميع الاطلاع عليها، وتبدأ علاقتهم بالمواطن عند كسر القانون، لذا لم يطالب أحد بإعادة النظر في مهام هذا الجهاز. فلماذا لا توضع نصوص واضحة بالمنكر والمعروف ويتم تعميمها على المواطنين حتى تتضح الخطوط الحمراء، ويصح بعدها لموظف الهيئة محاسبة الفرد، مع ملاحظة أن استخدام العنف ضد المواطن هو منكر بحد ذاته؟

أخيرا إن طرح مثل هذه الأسئلة قد لا يحسم الجدل الدائر، لكنه قد يوضح للإنسان العادي أموراً كثيرة، فإن لم يكن عامل تغيير، فإنه يكون في أقل تقدير على بينة من أمره.