علم أحمر عليه صورة "تيشي جيفارا" الثائر الكوبي الذي يمثل أسطورة في محاربة الرأسمالية، كان ضمن الشعارات والعبارات الكثيرة التي كان يحملها الشباب الأميركي ممن شاركوا في مظاهرات "احتلوا وول استريت"؛ والتي لفتت انتباهي حين كنتُ أمرّ بمحاذاتها السبت الماضي، حيث توسعت حركة المتظاهرين في نيويورك ووصلت ساحة "التايم سكوير" قلب منهاتن السياحي؛ حاملين شعاراتهم "احتلوا وول استريت" أو كما أسماه المخرج الأميركي المشهور مايكل مور"الكازينو الكبير" في فيلمه الوثائقي "الرأسمالية" عام 2009م؛ الذي حاول خلاله كشف حقيقة استغلال الضرائب التي يدفعها الأميركيون في إنقاذ البنوك والشركات الكبيرة من الانهيار عام 2008م؛ وهذه البنوك والشركات الكبيرة بدلا من أن ترد الجميل للشعب الأميركي الذين دفعوا لها من الضرائب وتم إنقاذها بأموالهم؛ زادت بطشا بحسب ما يعتقده المتظاهرون الغاضبون؛ فلم تزد من نسبة التوظيف للحد من البطالة التي يعاني منها الشباب.
و"حملة "احتلوا وول استريت" التي بدأت منذ أكثر من شهر بمئات معدودة من الأشخاص في شارع ويل استريت وصلت اليوم للآلاف؛ وامتدت إلى عدد من المدن والولايات الأميركية؛ وهم بحسب ما ينادون به أنهم يطالبون بحقوق "99% "من الشعب الأميركي ضد "1% " ممن يمثلون طبقة الأغنياء وأصحاب رؤوس المال؛ فقد باتت الحياة كما يزعم هؤلاء مرهقة جدا بمتطلباتها؛ وهم يدفعون الضرائب ليستفيدوا منها لا ليتم تسخيرها للأغنياء وإنقاذهم من الإفلاس؛ وكما تقول لي "اليسيا" وهي أميركية من سكان نيويورك؛ "الأميركي في نيويورك بات يعمل في ثلاث وظائف كي يستطيع أن يعيش جيدا ويلبي متطلباته؛ وإلا ينضم إلى المشردين في الشارع" فيما تقول نات"مشكلة الأميركي أنه منهمك دائما في العمل ليلبي احتياجاته المرهقة والغالية؛ وهذا جعله أكثر انغلاقا على دائرته فلا يعرف ماذا يحدث خارجها؛ فليس لديه وقت ليعرف ماذا يحدث في العراق أو في فلسطين بل ولا يعرف أيضا أن المال الذي يدفعه للضرائب هو الذي أنقذ البنوك والشركات الكبيرة من الإفلاس والانهيار".
السؤال المهم هنا؛ هل حركة "احتلوا وول استريت" عدوى بما أسميناه"الربيع العربي" أم لا؟! في أميركا المظاهرات أمر شرعي وتنظمه مؤسسات وجمعيات واتحادات؛ وهي ليست الأولى التي تخرج هناك؛ ولكن الجديد في الأمر أن هذه الحملة استوطنت وول استريت منذ أكثر من شهر ولم تغادر محلها أسوة بما حصل في ميدان التحرير بمصر؛ إلا أن الاختلاف في المضمون كبير، فبعض الشعوب العربية ثارت من أجل تصحيح سياسي ومطالبة بالديموقراطية والحرية؛ بينما حملة "احتلوا وول استريت" انطلقت لتطالب بتصحيح اقتصادي ضد نفوذ الرأسمالية لا لتصحيح أوضاع سياسية، فصندوق الاقتراعات الأميركي تحكمه ثقافة انتخابية مستقرة؛ ولهذا السؤال الذي يطرح نفسه: هل فشلت الديموقراطية السياسية في تحقيق الإصلاح الاقتصادي!؟ الإجابة معلقة منذ أكثر من شهر بنتائج التعامل السياسي الأميركي المنتظرة مع مطالب المتظاهرين في "الكازينو الكبير"!