على الرغم من أن إيران تعتبر من أكثر دول العالم غبطةً لفوضى الربيع العربي؛ إلا أنها اليوم على يقين من أن غبطتها لن تدوم طويلاً، لما تواجهه حكومتها على كافة الأصعدة من مشاكل متفاقمة وأزمات خانقة داخلياً وخارجياً، تؤهلها لاستضافة ربيع إيراني ساخن في الأشهر القليلة القادمة.
منذ قيام ثورتها قبل أكثر من 37 عاماً، انخفض الناتج المحلي الإجمالي الإيراني بنسبة 30%، علماً بأن أسعارالنفط ارتفعت 25 ضعفاً خلال نفس الفترة. من بين 142 دولة، تراجعت تدفقات الاستثمارالأجنبي في إيران إلى المرتبة 80 وقفز مستوى المخاطر المحدقة بهذه الاستثمارات للمرتبة 96. وبسبب الفساد المستشري في حكومة الرئيس الإيراني الحالي "أحمدي نجاد" وتردي الأحوال الاقتصادية في الأسواق الإيرانية، فاقت نسبة البطالة بين الشباب30% وارتفعت قيمة الأموال الهاربة للخارج إلى 300 مليار دولارأميركي، وانحدر مستوى الحرية الاقتصادية الإيرانية إلى المركز 150، وتقهقر مؤشر سهولة ممارسة الأنشطة في أسواقها إلى المرتبة 135.
معهد "ريبوتايشن" العالمي، يصدر سنوياً نتائج استفتاء الشعوب حول سمعة بلادهم ومدى ثقتهم بحكوماتهم وأمن مجتمعاتهم. في العام الجاري جاءت إيران على (رأس) قائمة الدول سيئة السمعة.
وعلى الرغم من أن الأصول العرقية الإيرانية تتوزع على الأصول الفارسية بنسبة 51%، والأزيرية بنسبة 24%، و المازندراعية 8%، والعربية والتركية 3% لكل منهما، والكردية 7%، والبلوشية 4%، إلا أن المذاهب بين الشعب الإيراني تنقسم إلى 87% مسلم شيعي، و10% سني، والباقي من اليهود والنصرانية والبهائية.
بعد أن قويت شوكتها على يد مرشدها (الأعلى)؛ أرغمت الحكومة المركزية الإيرانية كافة أقلياتها قهراً وعنوةً على الانصياع لنزعة الإمبراطورية التوسعية الرامية لبناء الهلال الشيعي مع العراق وسورية ولبنان، ولكن فشل مسعاها بدأ يلوح في الأفق بسبب عدوى الربيع العربي المنتشر في سورية، وانكشاف ألاعيبها في العراق ولبنان واليمن، وأصبح مجتمعها الإيراني عرضة للتفكك الداخلي بسبب النزاعات بين العنصر الفارسي الفاشل وباقي الأقليات المضطهدة.
في العام الماضي لم يفاجأ العالم بالمظاهرات الشعبية العارمة التي اجتاحت طهران وفاق عدد المشاركين فيها 3 ملايين نسمة، واستمرت لمدة أسبوع كامل، بسبب تزوير الانتخابات الرئاسية التي فاز بها "أحمدي نجاد"، وقابلتها الحكومة الإيرانية بالعنف الذي أدى لمقتل العشرات وجرح المئات وسجن الآلاف.
الثورة الإيرانية لم تؤدِ إلى تغيير كبير في الطابع الإمبراطوري للتكوين القومي الإيراني، بل سيطرت على سياساتها الخارجية أيديولوجية "تصدير الثورة". في مقابلة أجرتها معه قناة "روسيا اليوم"؛ أدلى المحلل السياسي الروسي "يفغيني ساتانوفسكي" برؤيته للوضع العربي الإسرائيلي، حيث قال آسفاً: "إن الحروب الأخيرة في غزة ولبنان ليست حروباً عربية إسرائيلية، بل هي حروب إيرانية إسرائيلية بأيدٍ عربية تزهق حياتهم". ووصف المحلل "إيران" بأنها "إمبراطورية قومية فارسية جديدة".
بسبب فشل سياساتها الخارجية وتفاقم أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وتخوفها من ربيع إيراني مبكر؛ أخذت إيران على عاتقها منذ بداية السبعينات إثارة الشغب والبلبلة في دول الخليج العربي. في عام 1971 قامت إيران باحتلال جزر "طنب الكبرى" و"الصغرى" و"أبو موسى". وفي منتصف 2007 أعلن "حسين شريعتمداري" مستشار المرشد الأعلى ورئيس تحرير صحيفة "كيهان" الرسمية التي تعتبر لسان حال الثورة الإسلامية: "أن البحرين كانت جزءاً من الأراضي الإيرانية، وانفصلت عنها إثر تسوية غير قانونية مع الشاه المعدوم". وفي بداية العام الجاري اكتشفت دولة الكويت أكبر شبكة تجسس إيرانية على أراضيها.
دول مجلس التعاون الخليجي توقعت في عام 1982 سوء النوايا الإيرانية، فاتخذت قراراً جماعياً بتأسيس قوات درع الجزيرة، لتكون مهمتها حماية أمنها من أي عدوان. في عام 2000 أبرمت دول المجلس معاهدة الدفاع المشترك، ووافقت في عام 2001 على تشكيل المجلس الأعلى للدفاع وتكليفه بوضع المعاهدة موضع التنفيذ.
عندما لجأت البحرين مؤخراً إلى قوات درع الجزيرة لحماية أمنها من أصابع إيران، أعلنت الحكومة الإيرانية وحلفاؤها أن هذه الخطوة تعتبر تدخلاً عسكرياً خليجياً في البحرين. أقطاب الجمهورية الإيرانية لم يقرؤوا جيداً المعاهدة الخليجية، التي نصت مادتها الثانية على أن: "الدول الأعضاء في المعاهدة تعتبرأن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها كلها، وأي خطر يتهدد إحداها إنما يتهددها جميعا". كما أن المرشد (الأعلى) للحكومة الإيرنية لم يفهم مغزى المادة الثالثة من المعاهدة التي تؤكد على: "عملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي، وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، تلتزم الدول الأعضاء بالمبادرة فوراً إلى مساعدة الدولة أو الدول المعتدى عليها ضمن دول مجلس التعاون باتخاذ أي إجراء ضروري، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لرد الاعتداء وإعادة الشرعية والأمن والسلام إلى نصابها، وتخطر على الفور جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي بوقوع الاعتداء والإجراءات التي اتخذت".
وعلى الرغم من تشدق الحكومة الإيرانية بمعاداتها لإسرائيل، تنتشر الشركات الإسرائيلية في الأسواق الإيرانية، خاصةً في مجالات الطاقة والهندسة والصناعة والتقنية والإنتاج الزراعي. صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أكدت على صفحاتها الأولى في 26 مايو الماضي أن هنالك 200 شركة إسرائيلية على الأقل تقيم علاقات تجارية مع إيران، لتزدهر العلاقة بين البلدين الحميمين.
استباحة دولة "الأشرار" لحق دول الجوار تزيد من قناعتنا بأن المرشد (الأعلى) فقد رشده.