حينما عين الدكتور عبدالله الربيعة وزيرا للصحة كنت واحدا من قلة ممن يعملون في الوسط الإعلامي ممن راهنوا على قدرة الوزير على النجاح، عبر نقل تجربته الإدارية الناجحة في الشؤون الصحية بالحرس الوطني إلى الوزارة، ليحدث تغييرا نوعيا في منظومة الخدمات الصحية في المملكة، ولكنني فيما أذكر قلت آنذك إن الوضع الصحي في المملكة وحجم معاناة المواطنين، وتذمرهم من غياب الجودة في الخدمات الصحية، ونقص الأسرة في المستشفيات، وطول المواعيد قد تحرق نجومية الجراح العالمي، قبل أن يتمكن من إحداث التغيير، فالوزارة حجمها كبير جدا، والبنية التحتية لمرافقها ضعيفة، وهناك نقص كمي ونوعي في الكوادر البشرية الفنية والإدارية، وفي ذات الوقت هناك تدنٍ في إمكانات التعاقد والتوظيف، بالإضافة إلى أن المنظومة نفسها تعاني من عيوب واضحة وكبيرة، كانت سببا رئيسا ودائما فيما آل إليه الوضع الصحي من تردٍ، إذ تفتقر هذه المنظومة إلى العمل المؤسسي وقياس ومراقبة الأداء، كما أنها تعاني من غياب معايير موحدة للجودة، وضعف نظام المعلومات الصحية، وقلة الاهتمام بالجانب البحثي والتعليمي، والتركيز على الجانب العلاجي مقابل الجانب الوقائي.
وما أعرفه أن الدكتور عبدالله كان يعلم أن هناك تحديات أخرى لها علاقة بالزمن سوف تواجهه، مثل تصاعد الطلب على الخدمات الصحية وتصاعد تكاليف الخدمات الصحية والتقدم التكنولوجي المتسارع في المجال الطبي، وندرة الكفاءات المؤهلة وصعوبة استقطابها وهي مشكلة تعاني منها معظم دول العالم، ثم من التحديات التي أظن أنها كانت ومازالت تواجه الوزير هو ارتفاع سقف توقعات المواطنين، الذين لن يقبلوا بالمسكنات من طبيب يعلم أن تلك المسكنات ليست حلا على المدى البعيد.
ومرت السنين ولا أظن أن هناك (تغييرا جذريا ونوعيا) وفق ما يتمنى الوزير قد حدث في المنظومة الصحية في المملكة، وهذا أمر طبيعي عطفا على عامل الزمن الذي قلت إنه قد لا يشفع للوزير، ولكنني مازلت عند رهاني بقدرة الوزير على إحداث التغيير الجذري، لأن هناك فرص نجاح متاحة للوزير والوزارة بمثل ما هناك تحديات، وعلى رأس هذه الفرص دعم القيادة لخطط ومشاريع الوزارة وبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وبرنامج اعتماد المستشفيات، والكادر الصحي الجديد، وغيرها من الفرص.
وما أعرفه أن الوزير يعمل ليل نهار لإحداث ذلك التغيير، وأن الخطة الاستراتيجة التي وضعتها وزارته لذلك تسير وفق الوضع السليم، وللتشبيه ـ وليس الحصر ـ نجد أنه في جانب نقص الأسرة هناك 86 مستشفى تحت التنفيذ، و42 مستشفى تخضع لتطوير بنيتها التحتية، لكن ما أخشاه أن يقف الجانب المالي حجر عثرة أمام إحداث التغيير.
فما يصرف على الصحة في المملكة من إجمالي الناتج المحلي مقارنة ببعض دول العالم متدنٍ، فبينما لا تتعدى هذه النسبة (3.3%) في المملكة نجد أنها تتراوح ما بين (8 – 15%) في معظم دول العالم المتقدمة، بل إن دولا مثل البحرين وقطر وماليزيا تتفوق على المملكة في هذا الجانب، وفي ظني وكما قال ذات يوم الملك عبدالله (عافاه الله) إنه "لا شيء يغلى على صحة المواطن".