ما إن يأذن الفصل الدارسي بالانتهاء، وتشرع قاعات الامتحانات أبوابها أمام الطلاب، حتى يدخل عدد كبير من المعلمين في حالة من القلق والتوتر، تخوفا على سياراتهم من عبث الطلاب.. هذه الظاهرة التي أصبحت "ملازمة" لنهايات الفصول الدراسية، أصبح المعلمون يعدون لها حساباتهم، ويتخذون لها احتياطات، تجنبا لأي ردة فعل سلبية، قد يقدم عليها طلاب "مشاغبون"، أو "غاضبون".
قضية مستعصية
مع كل الزخم الإعلامي الناقد لهذه الظاهرة، إلا أنها لا تزال قضية مستعصية على الحل، في ظل ما يعتبره البعض "صمت إدارات التربية والتعليم"، بل إن البعض ذهب في نقده إلى تحميل "وزارة التربية والتعليم" ما يعتبرونه "وزر" هذا الصمت، وعدم التحرك السريع في وضع حد لمثل هذه الظاهرة، والتي تحول بعض المعلمين لما يشبه "العسس"، الذين ينشغلون بـ"مراقبة سياراتهم"، بل أصبح عدد من المعلمين يلجؤون إلى ترك سياراتهم في مواقع بعيدة، وإكمال المسافة المتبقية إلى المدرسة على أقدامهم، أو التنقل مع زميل له، سيارته متهالكة، والذي عمد هو الآخر إلى شرائها لتكون وسيلة تنقله خلال الأسابيع الأخيرة من الفصل الدراسي، تاركا سيارته الجديدة لما بعد الاختبارات!.
سؤال مقلق
السؤال "المهم" بنظر المعنيين بالمشكلة، هو: من يحمي المعلم من عبث الطلاب أوقات الامتحانات، وعلى من تقع المسؤولية؟ سؤال استمعته "الوطن" من عدد من المدرسين، يتزامن مع ما أسموه "تفرج إدارات التربية والتعليم على منسوبيها، وهم يلجؤون إلى أقسام الشرط دون جدوى".
زجاج مهشم
عبدالرحمن الشهري، أستاذ مادة الفيزياء في إحدى مدارس شرق محافظة خميس مشيط، كشف إلى "الوطن" أنه تفاجأ الأسبوع الماضي عند خروجه من المدرسة، أن زجاج سيارته الأمامي مهشم، وتوجد صخرة داخل السيارة، موضحا أنه "تم إبلاغ الشرطة بالحادثة، حيث قامت بمعاينة السيارة وتصويرها. حيث اكتفى رجل الأمن بتصوير السيارة بجواله الخاص"، قائلا بنوع من الغضب "إلى متى ونحن على هذا الحال دون مبالاة من إدارة التربية والتعليم، أو عدم إيجاد حلول لهذه الظاهرة، التي أصبحت تؤرق معلمي التخصصـات العلمـية بالذات".
المعلم محمد كمال، الذي قدم من أرض مصر، للعمل في المملكة، لم يكن أحسن حالا من زميله الذي يعمل معه في نفس المدرسة، حيث إنه هو الآخر تم تهشيم زجاج سيارته الأمامي والخلفي، بالإضافة إلى كسر مقبض الباب، وهو ويقول في هذا الصدد إنه "في المدرسة منذ ثلاث سنوات، وفي كل سنة تكسر سيارتي، ويعبث بمظهرها الخارجي، عبر رش بويه والكتابة على السيارة، ولا تستدل الجهات الأمنية على الفاعل"، غير أنه أوضح أنه تمكن في هذه المرة من معرفة الطالب، عبر شاهد أوضح هوية الطالب الذي قام بهذه الفعلة، حيث "قدم بلاغا إلى الجهات الأمنية"، بانتظار أن ينهي الطالب اختباره ومن ثم "القبض عليه، وتحويله لهيئة التحقيق والادعاء العام".
تجارب متكررة
الحالتان السابقتان ليستا الوحيدتين، بل هنالك تجارب سواهما، ومنها ما حصل مع معلم الرياضيات بذات المدرسة، من كسر للزجاجة الجانبية لسيارته، وكسر هوائي الراديو، إلا أنه لم يتم التعرف على الفاعل. من جهته حكى المعلم حسن عسيري، كيف أن سيارته تعرضت العام الماضي إلى تهشيم الزجاج الأمامي، كما زجاج فتحة السقف، بالإضافة إلى العبث بشكل السيارة الخارجي. وقد حاول العثور على فتحة السقف في "الوكالة"، ولكنه لم يجدها حيث لا توجد إلا في بلد التصنيع، بطلبية خاصة، بمبلغ 4000 ريال، مما دفعه إلى الاتجاه إلى "التشليح"، في رحلة امتدت بين 3 مدن في المملكة، حتى تمكن من العثور على مبتغاه، وبقيمة 3000 ريال!.
اعتداءات بالسلاح
عبث بعض الطلاب واستهتارهم، وصل إلى حد المساس بشخص المعلم والاعتداء عليه بشكل مباشـر، وحمل السلاح في وجهـه. حـيث رصـد في منطـقة عسـير العديد من قضايا إطلـاق النار على المعلمين، والاعتـداء بالسـلاح الأبيض، وملاحقة المعلمين!.
سلوك شاذ
مدير عام التربية والتعليم بمنطقة عسير، جلوي بن محمد كركمان، أكد في حديث مع "الوطن" أن هذه القضية "لا تشكل ظاهرة وإنما تصرفات شاذة، ولم تتلق الإدارة منذ بداية العام الدارسي أي شكوى من أي معلم، بخصوص تكسير، أو العبث بمحتويات سيارته"، مشيرا إلى أن "التعاون قائم ومستمر مع الجهات الأمنية، وخصوصا خلال سير الامتحانات"، مضيفا أنه "إذا كانت هناك قضايا من هذا النوع، ولم تصل إلى الإدارة، فذلك خطأ المعلم، وكان يجب على المعلم عدم الاكتفاء بتحرير محضر في الجهات الأمنية، حيث إن إدارة التربية والتعليم لديها فريق متخصص في الإرشاد والتوجيه، يتم توجيهه إلى المدارس التي تعاني من بعض السلوكيات الخاطئة، ويتم عمل جلسات علاجية مع الطلاب، ودراسة حالتهم من جميع النواحي"، مبينا أنه "نجح الفريق في حل ومعالجة كثير من السلوكيات الخاطئة، التي كان يمارسها الطلاب". وحول حراسة المدارس، أبان أن "كل مدرسة لديها حـارس خاص بها، ويجب على مديري المدارس تفعيل دورهم"، وعـن وضع سيارات المعلمين داخل فناء المدرسة حماية لها، قال كركمان "لا نستـطيع حرمان الطلاب من الفناء الداخـلي للمدرسة، ففيه يمارس الطلاب نشاطاتهم البدنية، بالإضافة إلى بعض المناشط الأخرى".
متابعة أمنية
من جهته، أوضح الناطق الإعلامي بشرطة منطقة عسير، العقيد عبدالله بن عائض القرني، أن "هناك عددا من مراكز الشرط تلقت بلاغات من معلمين، تفيد بتلفيات في سياراتهم، من تهشيم وتكسير وعبث، ويتم التعامل مع هذه القضايا كباقي القضايا الأخرى"، موضحا أنه "إذا تقدم المعلم ببلاغ، يتم الوصول إلى الموقع، ومن ثم رفع البصمات وتصوير الواقعة، وعمل محضر، ويتم تكليف البحث الجنائي بالبحث عن الفاعل. أما إذا كان هناك متهم، فيتم القبض عليه والتحقيق معه، وتحويله لهيئة التحقيق والادعاء العام، ومن ثم محاكمته". مؤكدا أن هنالك "تعاونا مستمرا مع الإدارات التعليمية والمدرسية، من قبل مراكز الشرطة خلال فترة الامتحانات، بحيث تتواجد دوريات أمنية عند عدد من المدارس
"، مستدركا "إلا أنه لا يمكن أن نزود جميع المدارس بدورية أمنية مستمرة في الموقع"، مطالبا إدارات التعليم بـ"تزويد المدارس بحراسات، أو مراقبة الموقع من خلال كاميرات مراقبة، أو عمل مواقف خاصة بالمعلمين داخل فناء المدارس".
تحليل نفسي
هذا السلوك العنيف من قبل بعض الطلاب، له تفسيره الذي يقدمه علماء النفس. حيث يرى أستاذ النمو والصحة النفسية المساعد بكلية التربية بجامعة الملك خالد، الدكتور علي بن سعيد العمري، أن "العنف في العقود الأخيرة أصبح مشكلة خطيرة في العديد من البلدان، حيث شهدت العديد من المدارس وعلى نطاق واسع، سيما في الغرب، حالات عنف عديدة، استخدمت فيها أنواع من الأسلحة". وهو في صدد حل هذه المشكلة يدعو لضرورة توفير بيئة تساعد على التفكير الحر، معتبرا أن "القدرة على التفكير لا تنمو إلا في مناخ الحرية المنظمة، فالحرية المنضبطة والتفكير السليم لا ينفصلان، إذا أخذ في الاعتبار دور المدرسة في تطوير التفكير وتعليمه ورعايته".
العنف اللفظي
العمري لاحظ أن "المعلمين في مجتمعنا يمتنعون عن استخدام العقاب الجسدي، المقر منعه في السعودية، خوفا من العقاب، لكن ذلك لا يمنعهم من استخدام العقاب المعنوي، من خلال اللجوء إلى استخدام بعض المفردات النابية، ضمن إطار التهكم والسخرية والاستهجان اللاذع، والذي يعتبر في نظري أشد قسوة، حيث يسبب في نفس الطفل أو المراهق جرحا عميقا لا يندمل، إلا بالانتقام من المتسبب في هذا الضرر النفسي، برد فعل قاس من الضحية، عبر القتل، أو إحراق السيارة، أو التخريب"، مؤكدا أن حل هذا السلوك من قبل بعض المدرسين، من شأنه أن يقلل من العنف المعاكس من بعض الطلاب.