يوم الثلاثاء في 10 أكتوبر، قال الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني إن الحكام الدكتاتوريين سوف يرحلون وهم على وشك أن يتحطموا. كان هاشمي رفسنجاني يتحدث مع مجموعة من طلاب الجامعات في العاصمة الإيرانية طهران، وهو يشير هنا إلى تطورات ما يسمى بـ"الربيع العربي". أضاف رفسنجاني وهو لا يزال يتحدث في نفس الإطار "في هذا القرن، لم تعد الشعوب تقبل استخدام أي قوة ضدها". السياسيون الإيرانيون اعتادوا على استخدام هذه اللغة التي يمكن فهمها وتفسيرها بأكثر من طريقة وذلك لاجتذاب المزيد من المؤيدين ومضايقة خصومهم السياسيين بحسب الموقف والوضع في إيران. في اليوم التالي، تخرج وسائل الإعلام الموالية للإصلاحي أو اليساري لتقول إن تصريحاته كانت عميقة ومليئة بالنقد الساخر، وفي نفس الوقت تقوم أجهزة الإعلام التابعة للمتشددين بالتركيز على الأجزاء التي يعتقدون أنها تفيدهم وتدعم مواقفهم.
مثل هذه التصريحات ربما كانت تثير حماسة الناس قبل سنوات، ولكن الأمر لم يعد كذلك الآن. فقد أصبح الشعب يعرف بعد سنوات من الخبرة، أن جميع طرق الإصلاح، الانتخابات، السياسة الخارجية، الشؤون الداخلية، وغيرها من مقدرات البلد الهامة، تقود إلى شخص واحد فقط، وهو المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي.
المرشد الأعلى يستطيع أن يصدر أوامر إلى أجهزة الإعلام لتتوقف عن تمديد تغطية قضية أكبر فضيحة بنك في التاريخ الحديث لإيران، ويستطيع أيضا أن يوقف اقتراح أعضاء البرلمان الذين يريدون أن يحققوا مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في البرلمان حول أدائه.
بين هذه الخطوط هناك بعض الناس مثل الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني الذين يحظون باحترام كاف يجعلهم مؤهلين ليلعبوا دور صمام الأمان لتنفيس بعض الضغوط التي يشعر بها الشعب، أو بالأحرى التي تشعر بها المعارضة.
ومع أن معركة رفسنجاني ليبقى قادرا على التحرك في البيئة السياسية القاتمة؛ بدأت منذ حوالي ست سنوات مع وصول أحمدي نجاد إلى منصب الرئاسة، وكان حتى ذلك الوقت المسؤول الرفيع الوحيد الذي استطاع أن يحافظ على نفوذه دون أن يستطيع أحد المساس به، إلا أن قوة هاشمي رفسنجاني داخل الساحة السياسية الإيرانية بدأت تتبدد في الفترة التي تلت الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل عام 2009، عندما أضرت الانتقادات العلنية التي وجهها إلى المرشد الأعلى بمصداقية رفسنجاني وقلصت من دائرة نفوذه بين المتشددين في إيران. آخر مرة ألقى فيها كلمة علنية كانت منذ سنتين بعد الانتخابات الرئاسية خلال صلاة الجمعة التي كان يؤمها لآخر مرة في طهران، ولم يعد يؤم أي صلاة جمعة من بعدها. وانحاز رفسنجاني إلى صفوف المعارضة بشكل غير مباشر، لكن ذلك كان كافيا لينزله من عيني المرشد الأعلى ومؤيديه من رجال الدين المتشددين.
أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي اعتبر لفترة طويلة أحد أكثر السياسيين نفوذا في إيران، تعرض في وقت من الأوقات للخيانة من قبل الإصلاحيين عندما تولى محمد خاتمي رئاسة الجمهورية عام 1997. طلب الإصلاحيون التقليديون منه المساعدة مرة أخرى منذ سنتين عندما كانوا بحاجة ماسة ليهزموا محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. هاشمي رفسنجاني أكبر سنا من آية الله علي خامنئي بخمس سنوات، وخامنئي بلغ 76 سنة من العمر منذ شهر تقريبا. أي أن رفسنجاني تجاوز الثمانين من العمر وهو ربما يفكر في الإرث الذي سيتركه لهذه الثورة أكثر من أي شيء آخر.
ومع أنه بقي في منصب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، فإن من غير المتوقع أن يحافظ رفسنجاني حتى على ذلك الجزء الأخير من السلطة لفترة طويلة.
هاشمي رفسنجاني لم يتقاعد من العمل السياسي بشكل كامل بعد، لكن تراجع وضعه العام ونفوذه وعدم إحساس عائلته بالأمان يعني أنه لم يعد يتمتع بالسلطة.
إن قيام المعارضة بتسليط الأضواء عليه مرة أخرى يهدف إلى تشجيع رفسنجاني للتفاوض مع المرشد الأعلى لإطلاق سراح زعيمي المعارضة مهدي كروبي ومير حسين موسوي اللذين يقبعان رهن الإقامة الجبرية منذ فبراير الماضي. بقيت خمسة أشهر على الانتخابات البرلمانية في إيران، ومن المهم بالنسبة للمعارضة وللنظام أن يفوزوا بأغلبية المقاعد البرلمانية فيها. هذا البرلمان سوف يضع أسس الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ستجرى العام القادم، وسيضع أسس السياسة العامة للبلاد في السنوات التالية.
في الوقت الذي يزداد فيه التنافس بين أحمدي نجاد وهاشمي رفسنجاني، ليس واضحا بعد فيما إذا كانت عائلة رفسنجاني ستضطر في النهاية لمغادرة إيران.
رفسنجاني، الذي كان يعرف في وقت من الأوقات بأنه استراتيجي ومفاوض خطير، يعاني حاليا من ضعف شديد. قوته ومجده السياسي لن يكونا في المستقبل القريب أكثر من مجرد رماد وذكريات متلاشية.