فرضت أحداث سيول جدة الجارفة الأربعاء الماضي نفسها على خطب الجمعة أمس، حيث تحولت الخطب إلى "منصات استجواب" للمسؤولين الحكوميين المقصرين في تنفيذ المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية، وتشابهت مضامينها مع جلسات "الاستجواب البرلمانية"، للوزراء والمسوؤلين، خارجة عن "السياق العام التقليدي"، إلى مناقشة "الشأن العام المحلي بشكل أكثر جرأة".
واستندت أغلب "الخطب المنبرية"، على ما أمر به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في "اتخاذ الإجراءات اللازمة ومحاسبة المقصرين والمتسببين في المشروعات الحكومية".
ومن جهته، شبه إمام وخطيب جامع الراجحي بالكندرة (جنوب جدة) عبدالله صالح صنعان، مدينة جدة، بالمدينة المائية الإيطالية "البندقية"، التي تعتمد على القوارب كوسيلة مواصلات رئيسية.
وفي حديثه إلى "الوطن"، قال صنعان، المحاضر بكلية المعلمين بجدة، "إن الخطب المنبرية جزء من تشكيل الواقع الاجتماعي، وهي لا تنفصل عن ذلك"، مضيفاً أن دور خطب الجمعة في مثل هذه الظروف ليست أداة تنفيس عن الناس، بل راصد للحقيقة، ومساند أساسي للجهات والقطاعات الرقابية الحكومية. وأضاف صنعان "أكثر الناس تعرضوا لمواقف مجهدة فإما احتجزوا أو تقطعت السبل بينهم وبين عائلاتهم، وأنا من ضمن هؤلاء الناس".
ولم يخرج خطيب جامع الفاتح بحي الفيحاء (جنوب شرق جدة)، الدكتور عادل بن أحمد باناعمة عما ذهب إليه قرينه صنعان، لكنه بوجهة مختلفة هذه المرة، حيث أخذ مسار الخطبة "أسلوب المقارنات الإحصائية" في الرد على المسوؤلين الحكوميين، الذين صرحوا بأن معدل سقوط الأمطار بلغَ حدا كارثيا هو 110 ملمترات، ليقول باناعمة "إن معدل سقوط الأمطار في نابلس بفلسطين عام 2009 بلغ 587 ملمترا، فهل غرقت نابلس كما غرقت جدة؟ ومتوسط معدل سقوط الأمطار في إندونيسيا يتراوح ما بين 721 - 4146 ملمترا، فهل غرقت إندونيسيا كما غرقت جدة؟. ومتوسط معدل سقوط الأمطار في كوالالمبور يتراوح ما بين 2000 - 2500 ملمتر، فهل غرقت كوالالمبور؟.
ويأخذ منحى "الخطبة"، اتجاها تصعيدياً آخر ليقول باناعمة "ليست المشكلةُ في معدل سقوط الأمطار، المشكلةُ في (سقوطِ) الأمانة، وسقوط الشعور بالمسؤولية".
وفي السياق نفسه، قال إمام وخطيب مسجد السيدة آمنة زاهد في حي الحمراء إن جميع مسؤولي الأجهزة الحكومية "مسؤولون أمام الله فيما حدث للمدينة وسكانها بما أضاعوه من أمانة في أداء مهماتهم بذمة وضمير". واصفا حجم الأمطار بأنه ليس كارثيا بل عادي، ولا يمكن مقارنته بما حدث من فيضانات في أستراليا مطلع الأسبوع المنصرم.
كما انتقد في خطبته التي جاءت هادئة ومتزنة دعاوى بعض المحتسبين وتحذيرهم من الاختلاط بين النساء والرجال أثناء عمليات الإنقاذ وإسعاف المصابين والمعرضين للغرق، وقال إن دعواهم هذه باطلة وغير منطقية ولا تخرج عن كونها محاولة "لإفساد النوايا الطيبة التي تدفع الناس لإنقاذ بعضهم بعضا في أوقات الأزمات والنكبات". وأكد أن النساء في صدر الإسلام كن يشاركن الرجال في الحروب والأزمات ومعالجة الجرحى بل حتى منع الجنود من التقهقر والنكوص عن أرض القتال.