يحكي لي أحد الذين أنعم الله عليهم بالمال، أنه غادر برفقة عائلته المكونة من زوجته وابنه واثنتين من بناته.. متوجها من دبي إلى سان فرانسيسكو ـ رحلة مرهقة مدتها تتجاوز تسع ساعات ـ يقول أثناء منتصف الرحلة ونحن في الجو التفت نحوي ابني متضجرا: "يا والدي، أنت رجل أعطاك الله الكثير، وقادر على أن تحجز لنا مقاعد درجة أولى فلماذا تحجز لنا على الدرجة السياحية"؟! يقول كنت مضطرا لأن أخبره بالحقيقة.. أولا كي أقنعه، وثانيا كي أقدم له درسا في الحياة يستفد منه يوما ما، حيث قلت بصوت هامس: "يا ولدي.. أنا قادر أن أحجز لكم الطيارة بكاملها لو أردت.. لكن أنت عندك أخوات.. وأخواتك سيتزوجن يوما ما.. وأنا لا أريد أن أعودهن على رفاهية من هذا النوع قد تنعكس سلبا على حياتهن في المستقبل، قد تتزوج واحدة من أخواتك رجلا لا يستطيع أن يحجز لها درجة أولى.. على الأقل حينما يحجز لها على الدرجة السياحية لن يتغير عليها شيء"!
هذه الحكاية تكشف عن بعد نظر، كما تكشف الوجه الآخر لخطأ تربوي فادح يقع فيه الكثير من الآباء الذين أنعم الله عليهم. تجد الأولاد والبنات يرفلون في نعيم مبالغ فيه، ورفاهية منقطعة النظير، أصبح الكثير من الآباء يعامل أبناءه وفقا لقاعدة: "اطلب تجد".. "سل تطع".. لا يرفض لهم أي طلب يريدونه!أثناء انهيار سوق الأسهم قبل ست سنوات وجد بعض الناس أنفسهم أمام مصيبتين، الأولى فقدان مدخراتهم.. والأخرى مع عائلاتهم وأولادهم.. حيث أصبحوا يعيشون حياة لم يألفوها ولم يعتادوا عليها!
الأب العاقل هو الذي يدرك أن المال الذي يجري بين يديه قد يتلاشى.. ولذلك يجب أن يعيد ترتيب حساباته مع أولاده وبناته حتى لا يتعرضوا لصدمات الزمن القاسية يوما ما. وليلتفت حوله وير.. كثيرمن الأشخاص كانوا يعيشون في ثراء، هم اليوم يعيشون حياة الكفاف.
يقول الشاعر الكبير راشد الخلاوي رحمه الله: "قولوا لبيت الفقر لا يامن الغنى.. وبيت الغنى لا يامن الفقر عايد".. وسلامتكم!