في خطوات متثاقلة وصورة قاتمة من المأساوية والألم، استقيظ سكان جدة في ساعة مبكرة من صباح أمس، وهم يأملون أن تنهض مدينتهم من كارثة أربعاء أسود جديد، أعادت لهم الشريط المرير الذي بات يتكرر أمامهم، فيما كانت طوابير الشاحنات والسيارات والأرصفة المحطمة والمتناثرة على جوانب الطرقات تترجم بوضوح ما جرى للمدينة من كارثة اتفق الجميع على أنها الأقوى على مستوى التاريخ الحديث لجدة. ونهض الأهالي مبكرا ليتفقدوا "أنفسهم"، ويطمئنوا على ذويهم وأقاربهم في الأحياء الأخرى، ويطلعوا أيضا على ما منوا به من خسائر معنوية ومادية.
ضرر بالغ
كانت جولة " الوطن" في السادسة صباحا ما بعد الكارثة كفيلة بأخذ صورة كاملة عما خلفته السيول من ضرر بالغ، فبعد يوم كامل بليلته المريرة من الاحتجاز القسري بمقر مركز الصحيفة في مركز المحمدية بلازا بطريق المدينة المنورة "النازل"، وبسبب الإجهاد وقلة النوم والتي لعبت أسراب الناموس دور البطولة فيها خصوصا بعد توقف هطول المطر،
كان لا بد من مغادرة مقر المركز والذي قُطعت عنه الكهرباء من بداية هطول الأمطار، أي الساعة الثانية بعد ظهر أول من أمس وبتفقد السيارات وجدت في حالة يرثى لها، وقد تحولت مقصوراتها إلى برك من المياه، وبالتالي كان الخيار الوحيد هو البحث عن وسيلة مواصلات مناسبة إلا أن نداء أحد الزملاء على ما تبقى من المجموعة كان مطمئنا بعد أن وجد سيارته بحالة جيدة تسمح لها بالسير في طرقات باتت وعرة وخطرة في ذات الوقت.
انطلقت جولة العودة مجتازين فيها بعض السيول التي كانت لا تزال تتدفق ولم تخل بطبيعة الحال من عدة سقطات في "حفر" عميقة يبدو أنها كانت موجودة قبل الكارثة إلا أنها باتت مترعة بالمياه.
العشرات وربما المئات ممن صادفناهم كانت سياراتهم متعطلة وينتظرون المساعدة التي طال انتظارهم لها فيما لم تلح في الأفق أي بوادر لحضور من يساعدهم.
500 ريال لـ " الونش"
في موقع آخر، على شارع فلسطين بدت بعض الحركة تنشط بعد أو وصل بعض أصحاب سيارات السحب "الونشات" ليساوموا ضحايا السيول لانتشال سياراتهم من البحيرات.
وأوضح المواطن فايز الحارثي، أنه دفع 500 ريال لسائق ونش ليسحب سيارته الجديدة "لكزس" مسافة لم تتجاوز 200 متر، ولكنه أكد أن لا خيار أمامه، خصوصا بعد أن اتصل بعمليات المرور والدفاع المدني وغيرها إلا أن الخطوط كانت مشغولة أو لا أحد يرد.
إلى ذلك، دعا أمس، عدد من المواقع الاجتماعية على الإنترنت لتنظيم تجمعات للمساهمة في تقديم خدمات اجتماعية لمتضرري الأحياء، ولم يمر سوى دقائق قليلة على بدء تنظيمها على مواقع اجتماعية مثل "الفيس بوك" حتى سجل المئات من المشاركين. ونادى القائمون على تلك النداءات الراغبين في المشاركة للتجمع في مواقع معينة لتوزيع المهام وتحديد الخدمات المسندة لكل مشارك ومشاركة.
ولاحظت "الوطن" مدى الوعي الكبير لدى بعض المشاركين على تلك المواقع، كونها تضمنت رسائل توعوية لمشاركين بأخذ كافة احتياطات السلامة اللازمة لتنجنيبهم المخاطر التي قد يقعون بها، والتعاون التام مع الجهات الحكومية التي تقدم أعمالها بتلك المواقع، فيما تضمنت مشاركات المتطوعين نداء باستبعاد صغار السن عن المشاركة.