بدأت الكتابة من أقصى الشمال، وها أنا انتهي بها في الجنوب، عندما كتبت أول مرة، كنت أكتب من عرعر، وهي في أقصى الحدود من منطقة الشمال، وقد استحدثت بداية كمستوطنة من المستوطنات التي أحدثت بعد مد خط أنابيب البترول والذي يسمى رسميا (خط أنابيب البترول عبر البلاد العربية)، وكان ينتهي بنهاية مصفاة الزهراني بميناء صيدا في لبنان، توقف بعد حرب 67م، وبهذه المناسبة أتمنى ألا يتم إلغاء هذا الأنبوب لأنه يمثل أهم إنجازات الوطن الذي أدى إلى استحداث توطين للبادية.

أنشئت بموازاة هذا الأنبوب وعلى امتداده المستوطنات مثل القيصومة، رفحاء طريف، ومحطة بدنه، عرعر وهو اسم البلد الذي قدمت منها وكنت أنطقه بزهو وأتفاجأ بسخرية الزميلات من من هذا الاسم، حتى إنه بعد حرب العراق تم تداول اسم (جديدة عرعر) في وكالات الأنباء، وفرحت.

منذ أيام اتصلت بي صديقة تبلغني أنها أخيرا سترى (عرعر) لأنها ذاهبة في مهمة عمل، لم يبق بي من عرعر سوى بعض الذكريات. لكن عرعر موقع حدودي مهم وأهل الحدود في أي مكان في العالم يختلفون عن غيرهم، فهم متسامحون يفرحون بالغريب كجار. لا يوجد في أهل الحدود ميل للتطرف في نسج العلاقات ولا حتى تعصب لرأي، وخاصة الشمال فلهم بال طويل، وصبر.

كل هذا خطر لي عندما بدأت في الاستعداد للكتابة بهذه الجريدة، التي يقع مركزها الرئيسي في الجنوب.

الشمال أحد أهم كنوز بلادنا التي لم تكتشف. الإعلام لم يسلط الأضواء عليها. الشمال عامة لم تصدر به جريدة حتى الآن، والأضواء الإعلامية لا تسلط على أهل الشمال ونشاطاتهم للأسف بالشكل المطلوب. أقصد بالشمال. الحدود الشمالية عامة، (عرعر بالذات هي واسطة العقد عندي) ولعل ما يربطها بالجنوب أنه قيل إن سبب تسميتها لوجود أشجار العرعر، هذه الأشجار ما زالت في الجنوب.

في الشمال، آثار بل كنوز لحضارات مرت من هناك. وقد اكتشف الأجانب في مراحل وجود (شركة التابلاين، خط أنابيب البترول)، وهي عبارة عن كتابات حجرية ربما أخذوها لمعرفتهم، بأهميتها. ولعل هيئة السياحة تضع الشمال عامة في مخططاتها بالمناسبة.

كنت منذ مدة قد سمعت عن حديث تم تداوله عن ولاء أهل الشمال، وحتى لو أن الأمر مر باعتذار ربما قبله أحد، فالحقيقة أن من عاش بالشمال لن يستطيع بكل ما أوتي من علم نفس واجتماع وفلسفة، أن يصل إلى ذلك التحليل الغريب للشخصية الشمالية. الشمالي الحقيقي واقعي جدا لا يحب العنف، وأطول حدود لنا، مع دول مجاورة هي حدودنا الشمالية. الشمال سياج أمن للوطن. ولقد استبشرنا خيرا بما سمعنا وقرأنا من أخبار عن الخط الحديدي الذي سيمتد من الرياض إلى حدود الأردن، وسيربط هذا الخط الحديدي ست مناطق إدارية في الشمال كما يقول الخبر وبطول (2400) كم. كما أتمنى أن يستفيد شباب المنطقة من منجم الفوسفات الذي تم اكتشافه في (حزم الجلاميد)، وأسأل الله أن يصبح الشمال على خارطة اهتمام الإعلام المحلي.