ما أجملنا حين ننعتق من مشاغل الحياة، ونرى في النوم متعتنا الأبدية!. فالنوم تحديداً، الذي هو (الموت الأصغر)، هو الوحيد الذي يحصنك من (القتل الأكبر): من قذيفة دبابة وأنت تتجول في شوارع حمص السورية...!. من صاروخ طائش يطلقه الخواجة (ناتو)، وفي قول آخر (نيتو)، على مدينة سرت أو بني وليد في ليبيا...!. من قنبلة تُلقى على (أم) رأسك أو (أبيها) – لا فرق، وأنت ساجد في المسجد الأقصى...!. من صرخة (صايع) في شيكاغو ترهبك حتى يصاب بنطالك بالبلل وهو (يُقلّب جيوبك)...!. من سيف (الفيتو) الذي حتى إن قطع رأسك وأنت نائم فلن يتوقف قلبك، ولكن في هذه الحالة اعلم أنك ستكون مديناً لـ(أميركا وروسيا وفرنسا والصين وبريطانيا)، أن منحوك ميداناً لـ(التشخير) في مقابل ميادين (التحرير).. لتنام إلى الأبد!.

فإذا كانت الوقاية خيراً من العلاج، فإن النوم خير من اليقظة، والكسل خير من الحركة، ولهذا لا أظن اتهام البعض بالكسل وحب النوم إلاّ ميزةً لا عيباً، إن صح الاتهام أساساً، وتأكدت الرواية (النكتة) عن الذي أعلن رغبته في الانضمام إلى تنظيم القاعدة ولكن بشرط أن (يكون في الخلايا النايمة)!.

الشاعر العراقي الراحل محمد مهدي الجواهري أدرك فضيلة النوم منذ وقت مبكر وقال: نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي/ حَرَسَتْكِ آلِهة ُالطَّعامِ. نامي فإنْ لم تشبَعِي/ مِنْ يَقْظةٍ فمِنَ المنامِ (...) نامي إلى يَوْمِ النشورِ/ ويومَ يُؤْذَنُ بالقِيَامِ...!.

وأستاذ الطب النفسي، عضو معهد الأبحاث الدماغية في المركز الطبي لجامعة كاليفورنيا (M.J. سيكل)، أكد أيضاً ضرورة النوم في بحث له نشرته مجلة العلوم التي تصدرها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، (النسخة العربية لمجلة ساينتفيك أمريكان)، في عدد نوفمبر/ ديسمبر 2003/ المجلد 19) إذ يقول: "منذ أكثر من عقد من الزمن تبين أن الحرمان الكامل من النوم عند الفئران يفضي بها إلى الموت"!.

ولأن الفئران هي الأقرب للإنسان من حيث التركيب وخصائص الجسم، فضلاً عن عددها الكبير، ولذلك يجرون التجارب عليها، فإن النوم يصبح ضرورة للإنسان مثلما هو ضرورة للفئران أيضاً، وهنا يتجلى مدى الخطورة التي يتعرض لها من وصفهم القذافي بـ(الجرذان)؛ إذ لا ينامون أبداً عن إبادة مدينتي (سرت) و(بني وليد)، مما يهدد بموتهم، وبالتالي فشل ثورتهم!.

ألا يعد النوم ـ إذن ـ جهاداً، أو ـ على الأقل ـ فضيلة، بينما يقظة الشعوب هلاكاً محققاً ورذيلة؟!.وإذا كان الأمر كذلك: كيف نبخل ـ نحن الجاحدون ـ بالدعاء لمعظم المثقفين العرب بـ(نوم العوافي)، ونلومهم على صمتهم عن كل ما يجري في بلادهم، مع العلم بأن الكلام أثناء النوم ظاهرة مرضية؟!.