قبل بضع سنوات اهتز الضمير الإنساني وشعر بالغضب والاشمئزاز، عندما شاهدنا إحدى النساء الفقيرات وهي تتمنى أن تطعم نفسها وأطفالها مايسد جوعهم، حتى لو كان (بلحم حمار). إلا أننا بعدها بسنوات، اتضح أننا قد نكون ممن تناولوا قطعة من لحم الحمار، إما على متن إحدى رحلات الطيران، أو بكمين مدبر من أحد الأصدقاء كما حدث في منطقة جازان، عندما دعا أحدهم أصدقاءه وأولم لهم حماراً. وتمنيت لو أنني قرأت منشوراً كنت قد حصلت عليه منذ سنوات عندما كنت في القاهرة يعلم ربة المنزل (كيف تكتشف لحم الحمار) لو حدث وغشها الجزار، إذ إنني شعرت بالقرف وألقيت به مباشرة إلى سلة المهملات مستبعدة حدوث هذا الأمر تماماً. لكن على ما يبدو أننا الآن في زمن الحمير، فقد توجت هذه السلسلة المتتابعة من الأخبار التي كان الحمار بطلاً لها، بخبر يفيد بترشيح (حمار) لمنصب عمدة إحدى المدن البلغارية. بل وتم قبول هذا الترشيح رسمياً من قبل اللجنة المركزية لانتخابات البلديات. وقد كنت بما أحمل في ذاكرتي عن الحمير، وبما أعلمه أن مجرد تشبيه الإنسان بالحمار هو شتيمة كبيرة، فقد كنت ممن استنكروا ترشيح الحمار قبل النظر إلى حيثيات المرشحين ومقارناتهم بين الحمار وعمدتهم الحالي، لكنني وبعد أن عرفت أسباب إقدام البلغاريين على هذا الأمر تغيرت نظرتي لهم تماماً، فهم يرون تشابهاً كبيراً بين الحمار وعمدتهم الحالي فكلاهما مطيع لسيده طاعة مطلقة، بل إن الحمار يتفوق على جملة من البشر بالعديد من الصفات الجميلة التي يمتلكها الحمار بطبيعته ولا يمكن أن يمتلكها كل البشر، فهو ـ أي الحمار ـ يمتلك شخصية قوية، ولا يسرق ولا يكذب، كما أنه يعمل بجد، لذلك على البلغاريين الاختيار بين الحمار (المرشح الأقوى) والعمدة الحالي. ولذلك آن الأوان أن نقلب صفحة سيئة من تاريخ الحمير في منطقتنا العربية، وندعهم يستمتعون بإنجازاتهم.