في بيانها رقم (1)، بادرت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بنشر أرقام سنترالها وهواتفها المختلفة وأعلنت تركيب لوحتها على مبنى مكشوف في شارع العليا العام. وأرجو ألا يفهم المواطن وهو يقرأ البيان أن المقصود بنشر هواتف هيئة مكافحة الفساد أن الهيئة (الموقرة) ستقتات على مكالمات المواطنين لتكون هذه المكالمات هي المرجع في بحث قصص الفساد المختلفة مثلما أرجو ألا تفهم الهيئة ذات الفهم الملتبس لما يتمناه الجمهور من الهيئة، ولو كان الأمر على هذه الشاكلة وهذا المنحى فإن هيئة مكافحة الفساد لن تأتي بجديد وإنما ستصف في طابور إدارات المباحث الإدارية ودواوين المراقبة العامة. القصة مع شبكات الفساد أعمق من أن نختصرها في جملة: ألو... هيئة مكافحة الفساد.
القصة الأعمق التي نريدها من الهيئة الموقرة أن تكشف لنا بالضبط هل لدينا قوانين استباقية لمنع وقوع الفساد، وإن كان لدينا هذه القوانين فما هي الثغرات التي ينفذ منها لصوص المال العام في هذه القوانين؟ القصة أن تغوص هيئة مكافحة الفساد في هذه القوانين المائية فتحيلها إلى حالة ـ صلبة ـ بعد أن امتهن أرباب الفساد كيمياء تحويل الماء إلى غاز وهواء شفاف، فامتلأت جيوبهم وأرصدتهم دون أن يتركوا لوناً أو طعماً أو رائحة نستدل بها على آثار فعلهم أو خيطا إلى جرائمهم. أنا مؤمن تماماً أن لدينا زحمة هائلة في القوانين مثلما أنا مؤمن أن الفساد والفاسد يسرقون أيضاً عبر القانون وكلما زادت هذه التعاميم وتضخمت هذه القوانين، سهلنا الطريق أمام ـ الحرامي ـ كي يختار فيما بينها: من أي قانون ينفذ حتى يكسر القانون السابق أو يبرر كسره للقانون الذي يليه. مهمة هيئة مكافحة الفساد أن تمسح كل سبورة القانون السابق وأن تكتب جملاً جديدة من رأس السبورة السوداء. أسهل ما لديها أن تكون سنترالاً ولوحة على الشارع العام لنقول لها: ألو.... هيئة مكافحة الفساد.