عندما سئل المهاتما غاندي، بعد استقلال الهند، إن ظن أن الشعب الهندي سيبلغ مستوى الترف البريطاني ورفاهيته، أجاب "بأن ذلك تطلب احتلال البريطانيين لثلاثة أرباع الكرة الأرضية"، وتساءل "كم كوكب سيكفي الهند لذلك"!
واليوم يراقب الكثيرون التنين الأصفر وهو يستيقظ. البعض يلحظ، بعين الحذر، تفوقه العسكري والاقتصادي، ويخشى سيطرته على العالم، ويتوقع أن تقود إلى حرب باردة، ليس إلا بدايتها، الفيتو الصيني على قرار مجلس الأمن بشأن سوريا. ويذهب البعض إلى حتمية المواجهة العسكرية، بين الأنداد، ودليله الإرهاصات التي نشهدها اليوم، كإسقاط الصين لقمر التجسس الأمريكي من الفضاء، والتحذيرات التي تطلقها الصين، بشأن صفقات السلاح لتايوان ودول جنوب شرق آسيا.
الكل يتساءل، كيف سيكون عليه العالم بعد ربع قرن؟، عندما يصبح دخل الفرد الصيني موازيا لنظيره في الغرب وتصبح قوته العسكرية مناوئة للكبار. لم لا؟ والاقتصاد الصيني يرتقي سلم النمو في عجلة، يرافقه التطور التقني والمعرفي، ولو استمر كذلك فسيلحق بالغرب، حتما، أو يتجاوزه، في أقل من ربع قرن. فماذا يعني هذا؟
أولا؛ يعني أن أكثر من مليار فم جائع سيضاف إلى مائدة الأغنياء، العامرة بأصناف اللحوم، والمنتجات الزراعية، ويعني كذلك زيادة في الحرمان لمن لا يملك ثمن الغذاء الباهظ، الذي تفرضه آليات السوق الحرة، ولا يملك القوة لاغتصابه. إن حاكى الصينيون الغرب في معيشته، فسيلتهمون أكثر من نصف الإنتاج العالمي من الحبوب والأرز، وأعلاف الماشية، وقرابة 80% من الإنتاج العالمي للحوم، وسيحتاجون إلى كل ما ينتجه العالم من نفط ومعادن.
راهنا، لا يقل متوسط ما يستهلكه الفرد الأمريكي من اللحوم، عن 135 كجم سنويا، وتتجاوز حصة الدنمركي ومواطن لوكسمبورغ 150 كجم. فلو افترضنا أن الصيني، الذي يستهلك حاليا 40 كجم، سوف يستهلك 140 كجم بعد ربع قرن، وأن عدد سكان الصين بقي على حاله، 1.4 مليار نسمة. عندها ستبلغ حصة الصينيين وحدهم قرابة 200 مليون طن. وإذا ما عرفنا أن الاستهلاك العالمي للحوم اليوم يقارب 250 مليون طن سنويا، وبقي على حاله. فلن يتبقى لغير الصينيين سوى 50 مليون طن، لا تشبع الأمريكيين وحدهم.. تصور أننا أضفنا ما يجري في الهند إلى المعادلة!
وتعني رفاهية المواطن الصيني، ثانيا، زيادة الطلب على مصادر الطاقة والمواد الأولية من المعادن، وغيرها، لسد احتياجاته الصناعية والزراعية، والمعيشية. وإذ نحن في عالم متناهٍ، فلا بد للصينيين من انتزاع حصص الآخرين من الضعفاء، عنوة لو تطلب الأمر؛ ليحافظوا على مستوى المعيشة المرفهة. أليس هذا ما فعله الغرب من قبل؟ وليست هذه مزاعم خاوية.
فقد جاء التحذير مبكرا، في نزاع الصينيين مع دول في جنوب شرق آسيا على مياه بحر الصين التي تطل عليه الفلبين وفيتنام. وتشكو هذه الدول من عدائية سفن الصيد الصينية في البحر، وتتهمها فيتنام بتخريب آليات الآخرين.
وخلصت بعض الدراسات إلى أن استهلاك النفط في الصين، سيتضاعف في أقل من ربع قرن، وسيصل إلى 13 مليون برميل يوميا. هذه التقديرات، لا أظنها تأخذ في الاعتبار، الزيادة في الطلب على النفط نتيجة التغيرات الاجتماعية والسلوكية. فعندما يصبح الصيني من الأثرياء، سيقتني سيارته الخاصة ومسكنه العصري بما يحويه من مرافق وخدمات. وسيكون الهواء في داره مكيفا، وفيه مسبح للترفيه. وسيسافر الصيني لقضاء إجازته ويتنقل في سيارته الخاصة بحرية لا يجدها اليوم، وقد بلغ عدد السياح الصينيين 25 مليون هذا العام.
وهناك 750 سيارة لكل 1000 مواطن أمريكي، ولا يزيد عددها عن 15 سيارة لكل 1000 صيني. فلو اقتنى الشعب الصيني السيارات بمعدل الأمريكي أو الياباني، فسيصبح في الصين أكثر من مليار سيارة، أو ما يساوي مجمل الموجود في العالم اليوم. كم من النفط سيحتاجون لتشغيلها؟ ومن أين ستتغذى، هي والصناعات الأخرى؟
أدرك الصينيون، وقرروا مستقبلهم، فهم يسعون اليوم، لشراء حقول النفط في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وإبرام العقود مع دول القارتين. ويستثمرون المليارات في حقول النفط الفنزويلية، وفي مصافي التكرير مع الكويتيين، وفي الرمل البترولي بكندا. وتعمل جاهدة للسيطرة على المخزون العالمي من المعادن النادرة. فتمتلك حاليا أكثر من 80% من مخزون الأرض المعروف من المعادن النادرة، ضمانا لتغذية الصناعات المتطورة بالخام في المستقبل.
والواحد منا يتساءل عن مستقبلنا نحن، وهل سيكون لنا موضع قدم في عالم يتنازعه الأقوياء؟ ماذا أعددنا لمثل ذلك اليوم؟ هل دعمنا الأبحاث التي أنتجت من الحبوب ما يمكن زراعته في بيئتنا الجافة، أم إنها لم تجد من يمولها؟ وهل دعمنا أبحاثا في جامعة الملك عبدالعزيز لمكاثرة أشجار المانقروف، التي ترتوي بمياه البحر، والتي ترعاها الجمال، ويمكن استخدامها في صناعة أعلاف الحيوان، أم إنها لم تجد شبرا من الأرض على شواطئ البحر لتجاربها؟ هل عرفنا المواطن بالقيمة الغذائية للتمر، وروجنا لوجبات يدخل في إعدادها؟ هل ننفق ما يكفي على أبحاث الطاقة النظيفة والمتجددة، وهل أبحاثنا جادة؟ هل طورنا التعليم ومؤسساته، وأعددنا أجيالا لمواجهة المستقبل المجهول؟
استيقظ التنين، ونحن في غفلة!