"لجميع من يسمعني من أبناء هذا الوطن والعالم الإسلامي بشكل عام: ليس كل من ادعى حب الإسلام ونصرة قضاياه صادقا، قد يكون صادقاً في مشاعره ولكن أفعاله قد تكون كارثية ومدمرة جداً, يجب أن يكون لدى الشباب استقلالية، ولا يحكّمون العاطفة، حكموا العقل وارجعوا إلى أهل الاختصاص في كل أمر، فهذه المسائل تتعلق بالدماء والأرواح وأرواحكم واحدة، وليست اثنتين".
بهذه الرسالة اختتم الشاب هاني الملا (أحد الذين تأثروا بفكر التطرف) حديثه لحلقة (همومنا) التي بثها التلفزيون السعودي أمس.
الملا أكد خلال حديثه في هذه الحلقة أنه أصيب بصدمة وطعنة عجيبة حينما فوجئ بأن التنظيم الإرهابي التي ينضم إليه يكفر الشيخ عبدالعزيز بن باز، وقال: لما توفي الشيخ عبدالعزيز بن باز (رحمه الله) وصلنا الخبر، فقمت أنا وأحد الحضور فصلينا عليه صلاة الغائب، وبعد أن فرغنا من الصلاة سألني أحد جلسائنا: ماذا عملتم؟، فقلت صلينا على الشيخ عبدالعزيز بن باز (رحمه الله) صلاة الغائب، فرأيت وجهه قد تغير، وكنت أنا إمامهم أصلي فيهم فرأيت بعض المشاورات والتداولات تحصل في الوسط وكنت مستغرباً من هذا، وكنا زملاء وكنا جلساء، فقام هذا الشخص بعد فترة قصيرة ورأيته يصلي وحده، اعتزل الجماعة عندما كنت أنا إماما، وإذا تقدم شخص آخر يصلي إماماً أتى إلى الجماعة فصلى، استغربت هذا الأمر ولم أرد أن أسأل. ولكن هناك نقطة مهمة، وهي أن أصحاب هذا الفكر لا يستطيعون أن يكنوا مثل هذا الأمر في قلوبهم، يجب أن يتحدثوا فيه ويجب أن يناقشوه ويطرحوه، فتقدم هذا الشخص إليّ وقال: لا نريدك أن تصلي فينا. وفوجئت بأن هذا الشخص معه مجموعة كلهم أصروا على هذا الرأي، وهو أن الإمامة فيها فضيلة، لكن لا يتقدم الإمام إلى من يؤمهم وهم كارهون، فأصبحت أصلي مأموماً, وهذا نموذج بسيط لهذا الفكر. وما كنت أعلم أن هذا الشخص وهذه المجموعة يكفرون الشيخ عبدالعزيز بن باز، والله أصبت بصدمة وطعنة عجيبة، وهذا من الأمور التي سببت لي ألماً. وفي الحقيقة وجدت أشخاصاً يدورون في فلكي يحملون هذا الفكر، ولم أعلم ولم أسمع يوماً من الأيام أحداً يتكلم في الشيخ عبدالعزيز بن باز، القاصي والداني كان يتكلم في فضله وفي إخلاصه وفي خدمته للأمة ككل، وهنا توقفت وقفة هامة واستنتجت أنه قد يدور في فلكك من يحتملون هذا الفكر ولكن لا يبدونه لك، وهم تلك الطائفة التي تأخذ بالرخصة.
وكان الملا قد استعرض بعض التصنيفات من قبيل (صاحب العزيمة)، و(صاحب الرخصة)، مشيراً إلى أنهم في التنظيم يأخذون من الأئمة الأجلاء ما يخدم أيديولوجياتهم وتوجهاتهم لكي يثبّت التنظيم أتباعه في مراحل التضييق والساعات الحرجة، فيضرب لهم بمثل شيخ الإسلام ابن تيمية وحبسه في سجن الإسكندرية، والإمام أحمد بن حنبل، ويا ليتهم يأخذون جميع جوانب حياة العلماء الأجلاء، إنهم يشوهون هؤلاء العلماء، وإنني متأكد أن شيخ الإسلام ابن تيمية لو عاصر هذا التشوه لأقام عليهم الحد.
وعن مسائل التكفير ومدى تأثير التنظيم في المجتمع قال الملا: إن المجتمع الآن أصبح أكثر نضوجاً من ذي قبل، فقبلاً كان من الممكن أن يخرج أي شخص على شاشة الإنترنت في سيماه الإصلاح ويتكلم عن قضية معينة ويدعو إلى شيء معين وإلى أهداف معينة، وتجد القلوب تهفو إليه، ولكن الآن لا، المجتمع الآن بدأ يسأل: مَن هذا؟، وما هي خلفياته؟، ومَن هم مراجعه؟، أعني أن كل هذه الأمور أصبحت محسوسة وملموسة الآن لدى المجتمع، وهذا أيضاً مبشر ومؤشر خير.
وتطرق الملا إلى ظاهرة القتلى السعوديين في معارك التنظيم، ولماذا هم الأكثرية، قائلاً: عندما كنت في البوسنة والهرسك كنت أتساءل لماذا كان سقوط القتلى من أبناء السعودية والخليج واليمن في تلك المعارك التي كانت تحصل في البوسنة والهرسك؟. كنت أظن أن قضية العاطفة وقضية تقديم الروح رخصة لدين الله هي السبب في هذه الظاهرة، ولكن رب كلمة حق أريد بها باطل، حيث تبين لي في آخر أيامي في البوسنة والهرسك عندما رأيت أن الكثير من الجاليات العربية الأخرى يستقطبون أفرادهم ومواطنيهم فيدربونهم ويعدونهم ولا يشركونهم في تلك المعارك بالبوسنة، إنهم يعدونهم لقيام دول الخلافة في أوطانهم، وكان الشباب السعوديون والخليجيون بشكل عام يسقطون بالعشرات وهم الذين يكونون في الخطوط الأمامية، وأما الآخرون فيتواجدون في مناطق حيوية أخرى ولكن بعيداً عن الخطر.