فيما الوضع الاقتصادي يتراجع في بلادهم بداية ثمانينات القرن العشرين، ومثله الوضع التعليمي نتيجة عدم المساواة في معايير القبول، وما يصحب ذلك من تشديد أمني وأمور أخرى سببت خللا، لجأ عدد من المثقفين الذين يدرسون في جامعة حلب إلى السخرية من الواقع بأساليب سريالية، فأسسوا جماعة "عبثية" أطلقوا عليها اسم "الحنافل". وسرّ التسمية ربما يكمن في الحروف، فالحاء من الحلم والنون من النوم.. وإلى ذلك كانوا يعيشون في حياتهم طقوس السريالية وأحلامها. فأطلقوا على جماعتهم مصطلح "الحنفيلية" الذي يمزج بين الحلم السريالي والنوم، سعياً إلى طهارة المجتمع برفض الواقع ومخالفة السائد الخاطئ، فاستخدموا الترميز في أمسيات أعضائها الشعرية ومعارضهم التشكيلية كمعرض "الازدواجية والتماسك في فلسفة الجمال" الرافض للقبح، والمعبّر بـ"العري" عن واقع سقطت عنه ورقة التوت.
من باب رفضهم لـ"تأليه" الفرد، غاص "الحنافل" في الميثيولوجيا حين تخيّل الإنسان آلهته قبل أن يعرف الأديان، فأوكلوا لكل منهم مهمة أقرب للسريالية، مثل الفن واللغات، والقضايا المستعجلة، والرعد والتوارد، والكسل، والملل.. وما إلى ذلك مما يحسبه المرء "عبثاً" غير أنه في حقيقته رمز أكثر أمنا لتعدد احتمالات فهمه.
وكي يصنعوا فلسفة خاصة، اعتبروا أن الإنسان "حنفيل" منذ ولادته، و"الحنفيل" في اصطلاحهم هو من تفوّق في أربع صفات: النوم، الكسل، ارتشاف الرحيق، التطفل. ثم وضعوا الأدلة على أن كل إنسان نؤوم منذ تكوينه في الرحم، فالنوم من متطلبات حلمهم بغدٍ أجمل، ليتقاطعوا مع السريالية. وبما أن النوم يتصاحب مع الكسل في زمن بطيء، فكل إنسان "كسول"، ومن يخرج عن ذلك فقد انحرف. ويتلاقون مع السريالية أيضا في جزئية الرحيق، إذ حلموا بأن الإنسان "نحلة" لكنْ لـ"كسله" تطير إليه الزهور ليرتشف رحيقها.
من طرائفهم "السريالية" سخريتهم من الأحزاب السياسية، فمؤتمرهم السنوي يعقد لـ"مناقشة هموم البشرية" عدة مرات في العام تصادف أيام ميلادهم، تبدأ بـ"دقيقة نوم" على أحلامهم قد تطول يوما، ويختتم المؤتمر باستيقاظهم. ومن طرائفهم الأخرى أن سخروا من الحزب الحاكم الذي كانت جملة "من فكر البعث" تعلو أغلفة إصداراته، فأصدروا ملخصات علمية للطلاب مثل "توارد الرعديس في حقول الكهرطيس"، على أغلفتها جملة "من فكر الحنافل". ما جعلهم مُراقَبين إلى أن حاور مسؤول حزبي "حنفيلا"، ثمّ كتب في تقريره أنهم "مجانين" لا ضرر منهم.
• في بقية الحديث: ما زال التشكيلي ماهر حميد والناقد السينمائي ماجد ضللي والروائي عدنان فرزات والشعراء ناظم العلوش وعبدالحميد عليوي وسامر خرّيط ونبيل حقي ويعرب عزاوي.. يعبثون..
• ما بعد بقية الحديث: "وما أنا إلا من غزية..".