لا أعرف أين يكمن الخلل في علاقة الإعلام السعودي بالمواطن؟ المواطن صار يبدي الكثير من الوعي بما يحدث حوله، ظهر ذلك في الأحداث الأخيرة التي تبين حجم التغيير في مدارك الناس. منها على سبيل المثال ردود أفعال غالبية أفراد المجتمع ـ وليس فقط النخب المثقفة المتفائلة والسعيدة ـ نحو قرارات الملك عبدالله حفظه الله بشأن إتاحة المجال للمرأة للمشاركة السياسية، مما ينم عن وعي المواطن المتزايد بموضوع قديم وحساس وهو قضية المرأة. ومثال آخر يحضرني أيضا وهو ردود أفعال الناس الممتعضة بشدة نحو الأسلوب الذي تناول به أحد سفراء المملكة حواره مع مواطنة خارج المملكة، حيث قدمت اقتراحا لمشكلة قائمة حينها، فلم يكن من السفير سوى أن تناول اقتراحها بنوع من السخرية، مما أثار حفيظة الرأي العام بصورة تعكس وضوحا في إدراك أن العلاقة بين الموظف العام مهما بلغت مكانته مع المواطن هي علاقة موفر الخدمة للعميل، ورضا العميل هو أحد أهم مؤشرات نجاح المسؤول في تقديم الخدمة. مثل هذه الأمثلة وغيرها تعكس تنامي ملكة التفكير النقدي بصورة مبشرة عند الإنسان، لذا لم يعد من المنطقي التعامل معه وكأنه متلق سلبي لا رأي له فيما ينشر، وليس لديه مخزون معرفي متراكم أو ليس لديه القدرة على التحليل والشك والاستنتاج العقلاني. وما استفز هذا التساؤل لدي هو خبر نشر في إحدى الصحف يسدل فيه الستار على قضية قديمة، حول سيدة سعودية ذهبت بخادمتها للمستشفى وقد ادعت أن الخادمة حاولت الانتحار، لكن الأمر لم يمر مرور الكرام حينها على الجهات الأمنية، مما أدى إلى توجيه التهمة للسيدة بتعذيب خادمتها. ثم جاء الخبر الأخير الذي أغلق القضية، وفيه أصدر القضاء حكما غير قابل للاستئناف بتبرئة هذه السيدة من التهمة دون أن يشير الخبر لأي متهم آخر، أو حتى لإكمال التحقيقات، وما ورد فقط هو تهديد من الكفيلة برفع قضية رد اعتبار، وكأن القضية هنا تخصها هي وليس الخادمة. واحتوى الخبر أيضا معلومة مفادها أن الخادمة عانت من كسور وحروق وكدمات متعددة، ظهرت في صورتها المحزنة، وقد تغيرت ملامح وجهها من كثر الكدمات بصورة تستبعد معها أن تكون محاولة الانتحار هي السبب. ولأن الإعلام والقراء كلهم على دراية بأن القضاء بحد ذاته كان موضوع أخذ ورد في السنوات الأخيرة؛ لذا كان على الإعلامي الذي نشر الخبر أن يضع الكثير من التوضيح للمواطن حول ماهية هذا الحكم وتبريراته، وكذلك رأي الطب الشرعي وما هو وزنه كدليل مقارنة بشهادة الخادمة الفقيرة التي برأت مكفولتها، بصورة تقنع ذكاء القارئ.
تساءلت والكثير من المعلقين القراء حول من عساه يكون كسر وحرق وسبب كل تلك الكدمات للخادمة وهي تعيش في بيت مكفولتها؟ ونحن كما يعرف الجميع نسكن الخادمات في منازلنا كجزء من الأسرة، فمتى وأين حدث التعذيب وهي معها في المنزل طيلة الوقت، وما هي مسؤولية السيدة القانونية بعد أن تركت الوضع مع هذه المسكينة يتفاقم بهذه الصورة؟