مثّل حادث العوامية محاولة بغيضة للإخلال بالأمن، وإعلانا عن مظاهر من الاستعداد والقدرة على إيذاء الوطن ومقدراته بأيدي أبنائه، مما يجعلهم لا يختلفون عمن قاموا بالتفجيرات في فترة نشاط الخلايا الإرهابية، فهم خصوم للوطن، ويمثلون إضرارا بكل فرد في هذه الأرض السعودية.
ولأن كل السعوديين لديهم واقع واحد ومستقبل واحد وهدف واحد، يشترك فيه الجميع، ويرتبط فيه مستقبلهم ومستقبل أجيالهم من بعدهم، تصبح المواجهة وطنية باتساع الوطن، لا بحدود المذهب ولا الطائفة، والحزم الذي تواجه به الدولة كل خلل أمني ينطلق من قيمة الأمن للدولة بغض النظر عمن قام به.
حتى وإن كان ما حدث في العوامية من أحداث مؤسفة انطلق من وازع طائفي، وبتحريض أجنبي، فإن أكبر إضرار بالمصلحة الوطنية والقيم الوطنية العليا أن يتم الرد عليه والتعامل معه من منطلق طائفي، لأن قضيتنا التي تجب مواجهتها هو أن ثمة إخلالا بالأمن، ويجب أن يعاقب من قام به بغض النظر عن مذهبه أو منطقته، وذلك هو منطق الدولة الحديثة.
التعامل الإعلامي الأمني مع أحداث العوامية كان واعيا وهادفا للغاية، فقد صدر بيان وزارة الداخلية ابتداءً ولم يصدر ردا أو تعليقا أو توضيحا، وتلك مبادرة قطعت الطريق على كثير من المصادر الإعلامية غير الرسمية، وقد اعتمدت مختلف وسائل الإعلام على بيان وزارة الداخلية، ولم تنشغل في مقارعته ببيانات أو أخبار سابقة عنه، لأنه جاء أولا وبمبادرة واعية.
وجود أكثر من مذهب في السعودية يمثل ثراء وتنوعا ولا يمثل نافذة للخلاف والشقاق، ولقد استطاعت الدولة طوال الأعوام الماضية أن ترمم كثيرا من أخطاء التيارات المتطرفة من الجانبين، السني والشيعي، واستطاعت أن تقدم خطابا مؤديا لأن يؤمن الجميع بتساويهم وفي ذات الوقت بحقوقهم وحقوق الآخرين.
إذا كنا نؤمن بأن القوى المتطرفة في كل تيار ديني هي قوى لا تؤمن بالتعايش؛ بل ترى أن بقاءها مرهون بزوال غيرها، وتسعى لتأويل كل خطأ أو تجاوز وفق مذهب القائم به وتقوم – جزافا – بتوسيع دائرة الاتهام لتخرج من الفرد إلى المذهب، وهي إجراءات ومواقف مألوفة لدى كل متطرف، فإن الحل الأجدى أمام هذه المعادلة هو ألا يكون أصحاب الأصوات الدينية المتشددة جزءا من الحل على الإطلاق لأنهم لا يجيدون إلا تفسيرا واحدا، وهو جعل التنوع تهمة، وجعل الاختلاف خلافا، الأمر الذي سيوسع دائرة الشقاق الوطني.
لقد كان مشروع الحوار الوطني السعودي أبرز العوامل التي كان يجب أن تواصل إسهامها في خلق مناخ مستمر ودائم لمناقشة مثل هذه القضايا وهذه الأحداث، ذلك أنه يمثل الفعالية الأبرز القائمة على استيعاب التنوع والإيمان، وعلى إشاعة ثقافة أن المذهب ليس منطلقا للعداء، ولكنه دليل على التنوع والثراء، وفي كثير من بلدان العالم تعد مثل هذه الأحداث مفتاحا لاتصال عمليات الحوار وتحفيز أفكار التعايش والمواطنة.
كل الأحداث الأمنية التي شهدتها المملكة ترتبط في غالبها بتطرف ديني، سواء أكان سنيا أم شيعيا، مما يجعل دور الخطاب الوسطي الوطني محوريا، ومحوريته هنا تفرض عليه ألا ينشغل بالردود والتبريرات، بل بنسف هذا الخطاب ونسف منطقه الذي يبرر مثل هذه الأفعال أو يحفز عليها، وهو ما يؤكد أن مواجهتنا مع التطرف الديني مستمرة باختلاف مصادره ومقوماته، وهو الموقف الذي لا مناص للدولة الواعية من استيعابه والعمل بموجبه دفاعا عن الأمن، وفي ذات الوقت دفاعا عن التنوع الذي يمثل أبرز مظاهر الدولة الحديثة.
حين تواجه الدولة أي تطرف فهي في ذات الوقت تواجه فكرة اللون الواحد والاستبداد، وتحمي حق الناس في تنوعهم، لأنها ليست دولة لطائفة ولا دولة لمنطقة، ولكنها دولة لكل السعوديين.