أغلى ما يملك خريج الثانوية من وثائق هي شهادته.. يخشى عليها الضياع أو التلف.. ومع ذلك لم يتسلل الخوف إلى قلبه لحظة واحدة حينما قام قبل شهرين بوضعها في مظروف وسلمها لموظف البريد السعودي! أحسنت بعض الجامعات السعودية صنعا حينما قامت برفض استلام الوثائق الشخصية للطلبة المتقدمين للقبول، حيث ألزمت مئات الآلاف من الطلبة بإرسال وثائقهم عبر البريد، ورفضت رفضا قاطعا استلام الوثائق باليد.
هكذا نحن.. قناعة تامة.. لا نستفيد من الخدمات المتاحة إلا بعدما يتم إغلاق الطرق الأخرى.. إلا بعدما يتم إلزامنا بالاستفادة منها.. كلكم يتذكر طوابير الفواتير أمام البنوك.. أمضت البنوك فترة طويلة وهي تتيح للناس التسديد عبر الشبكة أو الهاتف أو جهاز الصرف الآلي، لكن الوعي بالاستفادة من الخدمات المقدمة لم يتم إلا بعد ما رفضت البنوك استقبال الفواتير!
مشكلة الناس في التعاطي مع البريد السعودي تنبع من نقطتين.. الأولى: أنهم لم يخرجوا حتى الآن من الصندوق، مجتمع دخل إلى الصندوق ولم يخرج.. كلما تحدثت معهم عن ضرورة الاستفادة من الخدمات الكبرى الموجودة في موقع البريد الإلكتروني يعيدونك إلى المربع الأول.. إلى الصندوق، ذلك الذي تم وضعه كخطوة أمنية عالمية مهمة لحفظ العنوان السكني.
يحكي أحدهم أنه سئل في إحدى المطارات الأجنبية قبل سنوات عن (عنوانه السكني) فأعطاهم رقم صندوق المراسلات البريدية.. فكان مكان سخرية لاذعة: "هل هناك أحد يسكن وسط صندوق"! النقطة التي أريد الوصول إليها اليوم هي أنه لا بد من إلزام مؤسسات الحكومة ـ التي تعنى بخدمة المواطن ـ بالتيسير على الناس من خلال رفض المعاملات اليدوية واستلامها عبر البريد.. اسألوا آلاف المبتعثين في العالم، كيف يستفيدون من خدمات البريد هناك.
يجب إلزام كل القطاعات الخدمية بضرورة الاستفادة من البريد ـ تماما كما فعلت الجامعات السعودية ـ لأن ذلك يعني التيسير على الناس.