منذ استقالة وزراء المعارضة من الحكومة لم يعد الشارع اللبناني مكانا للترفيه والبحث عن لقمة الخبز. فقد دفعت الأزمة المتصاعدة وظهور مؤشرات توتير ميداني، المواطنين إلى التزام أقصى معايير الحذر في تنقلاتهم وحركتهم اليومية وباتوا يتابعون الأخبار ساعة بساعة لتفادي أي تطورات ميدانية قد تؤدي إلى الإضرار بمصالحهم أو بحياتهم مباشرة بعد تصاعد الحديث عن سيناريوهات لتحركات ميدانية واضطرابات.

وككل يوم من أيام الصراع بين المعارضة والأكثرية فإن ساعات الصباح الأولى تشهد حركة سير مقبولة تتمثل في ذهاب الموظفين والعمال والتلامذة إلى أهدافهم، إلا أن أي موقف سياسي تصعيدي يبدأ بالانعكاس على جميع القطاعات فيسارع المواطنون إلى لملمة أنفسهم ويتوجهون إلى منازلهم درءا لما قد ينتج عن الصراع السياسي.

وتتجلى الأزمة بشكل كبير في العاصمة بيروت والتي كانت مسرحا لمواجهات دامية عبر السنوات الماضية، حيث يعرف الأهالي الكلفة الباهظة لأي مواجهة في الشارع. وتبدو المدينة وسط فرز سياسي حاد يضاف إليها ما استجد من فرز طائفي ومذهبي حيث أصبح يقال إن هذا الحي هو حي المعارضة وذلك هو حي الأكثرية، هنا غالبية شيعية لحساب حزب الله وحركة امل وهنا غالبية سنية تتبع تيار المستقبل. وعلى أطراف هذه الأحياء نشأت "خطوط تماس" فعلية يتمركز الجيش في العديد من محاورها الإستراتيجية تحسبا لاندلاع أي مواجهات بين المجموعات المشاغبة والتي، حسب مصدر أمني رسمي، بدأت بالظهور خصوصا في ساعات الليل المتقدمة.

وفي الأيام الأخيرة بدأت قوات من الجيش بتعزيز مواقعها بين الأحياء وفي المناطق الحساسة المعروفة بتوترها، كما تنتشر وحدات الجيش حول العديد من المؤسسات الرسمية والمراكز التابعة للأمم المتحدة وبعض السفارات الأجنبية. ويخشى المواطنون في جميع أنحاء المدينة من بلوغ الأزمة السياسية حد الانقسام النهائي ما سيؤدي إلى انعكاسها على الشارع، لذلك فإن الاحتياطات واجبة ومطلوبة في هذه الظروف.

عندما تنزل إلى الشارع لتسأل عن حال الناس فإن الجميع يلتزم بالحذر ويشك بك مخافة أن تكون منتميا إلى طرف خصم وبالتالي لن يكشف لك أحد هويته الكاملة في حال أراد الحديث بصراحة. وتدل هذه المواقف على أن اللبنانيين العاديين باتوا يخشون من الاعتراف بحقيقة مشاعرهم علنا، ويفضلون أن يقولوا لك آراءهم بعيدا عن عدسة الكاميرا وبأسماء مزيفة.

يقول المواطن محمد من سكان الطريق الجديدة "يسمونها قلعة تيار المستقبل" إنه ورفاقه لا ينامون الليل مخافة أن يهاجمهم عناصر حزب الله بغتة. ويضيف "لذلك نحن نسهر حتى الفجر ونراقب ما يجري بحذر مع أننا نتكل على الجيش اللبناني لحمايتنا هذه المرة" وتابع محمد أن أهالي بيروت لا يعادون المعارضة بل هم يرفضون أن ينال حزب الله من زعيمهم الرئيس سعد الحريري ولن يرضوا بغيره رئيسا للحكومة.

عندما تطرح السؤال عن الفتنة فإن الأجوبة تنهال عليك برفض الفتنة ومفتعليها. تقول أم عبد من الطريق الجديدة إنها طوال حياتها لم تسأل جيرانها عن هويتهم السياسية أو الطائفية. وتضيف "اليوم صرنا نسأل ونستفسر إجباريا لأن لا أحد له أمان بعد اليوم". يتدخل شخص يرفض إعلان أي اسم بالقول "نحنا مع الشيخ سعد وأي موقف يتخذه سننفذه على الأرض، بالقتال أو بالسلم. هو قائدنا وسيكون رئيس حكومة إن شاء الله".

داخل الأحياء المقفلة طائفيا تسمع لهجة حاسمة ومتحدية وواضحة. على العكس من ذلك فإن الرأي في شوارع مختلطة كالمزرعة أو الحمرا أو فردان فإن مواقف المواطنين تكون أكثر مرونة ومتجهة إلى المطالبة الحثيثة بالسلم والتفاهم والتوافق.

وتقول منيرة "موظفة مصرف" إنها تدعو الله أن يلهم الحريري ونصرالله ويتوافقا على حفظ دماء الناس. وتضيف "لديهما أولاد فلينظرا إلى أولاد الناس بعين الرأفة ويعجلا بالحل". وفي الحمرا تطل الأزمة برأسها بقوة. الشارع بدأ يخسر ازدهاره تدريجيا بعد أن كانت الاستثمارات انهالت عليه بشكل غير مسبوق. يقف صاحب مطعم أمام باب مطعمه حائرا وهو ينظر إلى صالته الفارغة ويشير بيده إلى الشارع "انظر . هذه هي الحمرا. عند حلول المغيب لن ترى سوى الأشباح".