حذر الباحث والأستاذ الجامعي بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار في تونس الدكتور المنصف العياري من تحول الإعلام إلى طرف في صناعة العمليات الإرهابية وتهويلها؛ عبر استغلال وسائل الإعلام للظروف التي تمت فيها العملية الإرهابية وتحول الصحفيين إلى أطراف تُسهم في صناعة الحدث.
تحديات ورهانات
وتساءل العياري - مع بداية وقائع جلسات اليوم الثالث للحلقة النقاشية "دور الإعلام العربي في التصدي لظاهرة الإرهاب" المنفذة في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية - عن استفادة الإرهاب من وسائل الإعلام لإيصال أهدافه ومطالبه إلى أكثر عدد ممكن من الناس، واصفا ذلك بأنه تحديات ورهانات مطروحة في المجال الإعلامي. في الوقت نفسه نفى العياري أن يمنع ذلك وسائل الإعلام من القيام بدورها وتحرم الجمهور من حقه في المعرفة والإعلام، لكنه لفت إلى أهمية تناول الإعلامي للقضايا الإرهابية دون تضخيم للأحداث وكذلك دون استغلالها كعنصر من عناصر الفرجة والإثارة؛ مما قد يجعل بعض الصحفيين يضيفون وقائع من صنعهم بدافع المنافسة بين المؤسسات الإعلامية وبين الصحفيين اللاهثين وراء تحقيق السبق الصحفي.
في المقابل يؤكد العياري أن وسائل الإعلام أحد أهم أسلحة الحرب ضد الإرهاب، ناصحا بتوظيفها إيجابا بإدراك جذور الإرهاب والسعي إلى كشفها بكل وضوح وشفافية. في حين نبه من توظيفها سلبا عندما تستهدف رسائل الإعلام زرع الحقد والكراهية باعتماد التعميم وانطلاقا من تصرفات شاذة ومحدودة وركوب الأحداث لأغراض مبيتة.
وإلى جانب ذلك، أشار العياري إلى الدور الوقائي الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في مواجهة ظاهرة الإرهاب والحدّ منها كسلاح وقائي، قال إنه "يُمكن أن يُسهم في توطين الأمن لدى الناس، ونبذ العنف وإدانته من خلال التقليل من مظاهر العنف والتركيز على ما يدفع الناس إلى عمل الخير وإظهار الصورة الحقيقة للآخرين دون المساس بحرياتهم وخصوصياتهم وترك الحرية للمتقبل في الحكم الموضوعي". ويدخل ضمن ذلك دورها الوقائي مما أشار إليه العياري من إسهام الإعلام في "تكريس منطق الحوار وتجنب بث كل ما يشيع الكراهية والحقد بين أفراد المجتمع الواحد أو المجتمع الدولي"، مع دعوتها إلى تحمل رسائل موجهة إلى الخارج تتوجه إلى الإنسانية وتكرس الانفتاح وتنبذ التحجر والانغلاق المعتمدين بدعوى حماية الثقافة الوطنية وسد المنافذ أمام اختراق الآخر وثقافته.
الإرهاب الإسرائيلي
تساءل العياري عن إمكانية اعتبارنا لما تقوم به إسرائيل من حشد إعلامي ضد العرب والمسلمين إرهابا؛ عبر إنشاء الفكر الصهيوني لقنوات تلفزيونية ناطقة باللغة العربية واللهجات المتباينة لشد أكبر عدد ممكن من المشاهدين العرب بأفكار الصهيونية والدفاع عن آرائها العنصرية. مستدلا بذلك على (الخطة الإعلامية التي وضعتها إسرائيل بعد أحداث 11 سبتمبر ورصدت لها ملايين الدولارات) لتشويه صورة العرب والمسلمين على الساحة الدولية وخصوصا الأميركية، وأثبتت نجاحها إلى حدٍّ بعيد في ظل غياب إعلامي عربي حقيقي وفاعل يدافع عن العرب والمسلمين وصورتهم.
واجه ذلك تحرك عربي إسلامي متأخر، وصفه العياري بالمشروع العربي والإسلامي الذي "يتحسس طريقه إلى المواجهة والتصدي ولكن باحتشام كبير". واستعرض العياري تلك المواجهة الإعلامية العربية الإسلامية للإرهاب الإعلامي الإسرائيلي بدءا بـ: إقرار خطة إعلامية في القمة العربية ببيروت للتحرك على الساحة الأميركية؛ متبنية قرارا ينص على إنشاء فضائية وإذاعات ناطقة بالإنجليزية لكي تخاطب العالم الخارجي، بعدها بثت مصر قناة فضائية باللغة العبرية وموجهة إلى الإسرائيليين بهدف التأثير على الرأي العام الإسرائيلي وإبراز وجهات النظر العربية والدفاع عنها داخل البيوت الإسرائيلية والرد العنيف على كل مساس بالدين الإسلامي، كما أطلقت سورية خدمة موسعة باللغة العبرية ضمن خدمات التلفزيون السوري للدفاع عن الفكر العربي داخل المجتمع الإسرائيلي، وإلى جانب ذلك دعا المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في أحد اجتماعاته بالقاهرة إلى إنشاء قناة فضائية عالمية تبث برامجها باللغة الإنجليزية لتوضيح الحقائق الأساسية حول الإسلام مع مراجعة كافة المعلومات التي تنشر عن الإسلام والمسلمين في الكتب الدراسية ووسائل الإعلام الدولية.
الإعلام الموجه
أمام ذلك، دعا العياري الإعلام العربي إلى مزيد من الاهتمام الفعلي بالإعلام الموجه إلى الآخر بلغته مع التحرك لتصحيح ما علق من صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين على خلفية (أحداث 11 سبتمبر)، مع مطالبة الإعلام الإسلامي ببذل مجهودات جبارة لتغيير هذا الوضع عبر نقل الصورة الحقيقية، واصفا الحرب ضد الإرهاب عقيدة سياسية وأيديولوجية تستخدم لمعاقبة الدول.
كما طالب وسائل الإعلام بإشاعة قيم الحوار والتعاون والعدالة حتى تساعد على البحث في أسباب تفشي ظاهرة الإرهاب الحقيقية ومعالجتها. خاصة في ظل انعكاسات أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أعطت الاستراتيجية الأميركية المبررات في استمرار معاداتها لنضالات الشعوب بحجة الإرهاب واختلطت كل المفاهيم خدمة لأغراض سياسية وتوسعية. ويأتي ذلك مقابل سعي مختلف البلدان بنشر صورة إيجابية عنها لدى المواطن العربي عبر القنوات الفضائية المتكاثرة والتي تخاطبنا بلغتنا وأحيانا بلهجاتنا المحلية.
اجتياز دورة
من جانب آخر، اجتاز 103 رجال أمن عرب من (العاملين في الأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة الإجرام والعاملين في أجهزة التحقيق والادعاء العام وأجهزة مكافحة الجريمة المنظمة وجهات الاختصاص) أعمال الحلقة العلمية (تحليل الجرائم المستحدثة والسلوك الإجرامي) التي نظمتها كلية التدريب بالجامعة خلال الفترة من 17 - 19/ 1/ 2011 بمقر الجامعة بالرياض.
والتقى رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية الدكتور عبدالعزيز بن صقر الغامدي بالمشاركين من 10 دول عربية (الأردن، الإمارات، البحرين، جمهورية القمر، السعودية، السودان، سورية، الكويت، لبنان، ليبيا)، خلال رعايته لحفل اختتام الحلقة، وقام بتكريمهم موضحاً لهم أهمية تحليل الجرائم المستحدثة والسلوك الإجرامي كأحد أهم القضايا التي تشغل العالم حالياً، مؤكداً أن تنظيم هذه الحلقة يأتي في إطار اهتمام الجامعة بهذه النوعية من الجرائم الخطيرة التي تهدد أمن وسلامة المجتمعات العربية؛ مما يستدعي ضرورة متابعتها ومتابعة متغيراتها الدائمة كما يؤكد ضرورة مواكبة الأجهزة الأمنية المعنية بالمكافحة الميدانية للجريمة للمستجدات والتطورات التي تنتهجها الجريمة في أساليبها وأنماطها المختلفة لكي تتمكن من مواجهتها والحد من تأثيراتها السلبية على الفرد والمجتمع.
وأكد عميد كلية التدريب بالجامعة اللواء الدكتور علي بن فايز الجحني حينها أهمية التدريب ودوره في تنمية المهارات ورفع القدرات العلمية والعملية، مستعرضا برنامج كلية التدريب خلال عام 2011م. وأشار المشرف العلمي على الحلقة الدكتور أحسن مبارك طالب إلى التطورات المتسارعة للجرائم المستحدثة والجهود المبذولة لمكافحتها.
إلى ذلك، استهدفت هذه الحلقة تعريف المشاركين بالجرائم المستحدثة والسلوك الإجرامي وإلقاء الضوء على الدور الأساسي للأجهزة الأمنية والقضائية في تفعيل المراقبة على الجرائم المستحدثة بشكل عام، ودراسة الأسباب المؤدية إلى زيادة الجرائم المستحدثة وطرق مكافحتها. وناقشت الحلقة عدداً من الأوراق العلمية أهمها: الجرائم الحضرية والجرائم المستحدثة (ماهيتها وتطورها) والتفسيرات النفسية للظاهرة الإجرامية والجرائم المستحدثة والأساليب الحديثة للتعامل مع الجرائم المستحدثة من طرف أجهزة العدالة الجنائية وعوامل ارتفاع معدلات الجريمة المستحدثة وسبل مواجهتها والتدابير القانونية والقضائية في مواجهة الجرائم المستحدثة إضافة إلى عرض تجربة الشرطة العربية والدولية في التعامل مع هذه النوعية من الجرائم.