ليس هناك أخطر على المجتمعات الإسلامية من الطائفية. الخراب الذي يجري في باكستان أو العراق، من تفجير يتنقل بين الكنائس والمساجد والحسينيات كان كبيراً، بسبب تحول الطوائف من عنصر تكامل إلى أداة احترابٍ وصراع. والخليج عاش فترة تجاوز وتكامل بين طوائفه، لم يكن أحدُ يتفرغ للتنقيب عن مذهب أحد، والتعايش بين السنة والشيعة كان سائداً في المدينة والمنطقة الشرقية، ولم يكن للمذهب أي تأثيرٍ على التعامل بين الناس. غير أن صعود المد الطائفي ترافق ومجيء الثورة الإيرانية التي "سيّست المذاهب" بحيث جعلت من السنة عدواً للشيعة. هذا المد لم يجتح الجميع من الشيعة، واستمر الغليان المذهبي، إلى أن صنع الصوت الطائفي الإيراني صوتاً سنياً متطرفاً موازياً، فخلقت الأزمة بين المسلمين بشكلٍ عجيب!
الخبر الذي نشر أول من أمس كان مؤلماً في مضمونه، حيث جاء فيه أن: "التحقيقات التي تجريها المحكمة الجزئية المتخصصة في السعودية، في جلساتها لإعادة محاكمة 17 متهماً، بينهم 16 سعودياً ومتهم يمني، أثبتت وجود خطة محكمة من قبل خلية سورية، لاستهداف أحد الشخصيات الشيعية البارزة في المنطقة الشرقية، والتي ترتبط بعلاقات وثيقة بإيران وحزب الله، لخلق بلبلة في السعودية، وفتنة وتحفيز المقربين من هذه الشخصية لأخذ الثأر من قوات الأمن السعودي، والإيهام أن الذي قتله هم رجال الأمن وبذلك يكونون قد حققوا مبتغاهم"!
وإذا تأملنا في الأجواء الطائفية اليوم سنرى أنها مسممة بفيروسات الصراع، ولم يكن لهذه الخلية أن تخطط بهذه القوة من دون أن تثق أن "العاطفيين" سيصدقون خطّتها.
إن تشجيع أي مخطط طائفي يعني الاعتداء على الأمن الوطني والانسجام الداخلي، وكما نطالب السنة بعدم استغلال مظلومياتهم في إيران لزعزعة الأمن؛ فإننا نطالب الطوائف الأخرى بالتمسك بالحوار بينها وبين المختلفين معها، والرهان على العقلاء من شتى الطوائف أن لا يسمحوا للعاطفة أن تضرب عصب التعايش وتشلّ إرادة التآلف.
قال أبو عبدالله غفر الله له: وقد عايشتُ بنفسي انعدام الحس المذهبي، خذ مثلاً؛ هذه عائلة تربطنا بهم علاقة متينة للغاية، والدهم من أصدقاء والدي ولصيقه في تجارته، وابنهم أشتركُ معه في أعمالٍ عديدة وتربطنا بعائلتهم عشرة عمر تجاوزت الخمسين عاماً، لم نعلم أن طائفتهم "شيعية" إلا قبل ست سنواتٍ وعن طريق الصدفة، وتزداد علاقتنا بهم مودةً وحباً وائتلافاً.
فلننبذ الطائفية وليكن الوطن بديلاً عن التعصب الطائفي الطارئ على مجتمعنا ولنعد إلى براءة التعايش.