الأخ الصغير الذي يدرج في دلال الأم الدائم وعتاب الأب المتقطّع.

الأخ الصغير الذي ما عاد صغيرا، تتبادل معه أسرار القرية وطُرُقها الليليّة الهامسة.

الأخ الذي ينهب حظَّهُ من الحياة المعاندة بضحكةٍ صاخبة وسخريةٍ لم ينجُ منها بعيدٌ ولا قريبٌ ولا حتّى نفسه.

... الجلطة التي تعهّدتْ العائلة، فوزّعت ضرباتها على الأم والأب والإخوة الأربعة.

عامتْ فيها الأم مبكّرا وغادرت. نشبتْ في الأب وأسلمتْهُ إلى باب الخروج. عاندَ الإخوة الأربعة رغم عديد الضربات الموجعة.

تكمن الجلطة وتباغت.

غابتْ لأعوام، خلناها قنعت فاكتفت بما أخذتْ.. وبما تركتْ من ذكرى قائمة في الأبدان الأربعة تحفظها زيارات الطبيب وصُرَرُ الدواء؛ كنزُنا المتجدّد الذي لا ينفد.

تكمن الجلطة وتباغت.

في ضربتِها الأولى، اختارتْ القلبَ وتجاوزتها باعتبارها من خصائص المنزل والإرث الذي نناله؛ ينالنا بالقسطاس.

تجلجل بالضحك وأنت تروي أنك اخترتَ النوم جالسا لأنّ الوسادة تؤذيك بخريرالقلب الموجع الذي يتعالى طبلاً "ينفخُ الرأس".

عبرتَها وصادقتَ على أحوال التمام.

نسيتها، ولم تنس نصيبك من الدنيا تتقاسمه مع الأصدقاء؛ شباب القرية يصرّفون الوقتَ على مهلٍ ويعصرون ثوبه تحت شمسِ الفتوّة وعطاياها الصغيرة.

عشرةُ أعوام، ظننتها كافية للنسيان، لكنها تكمن وتباغت وتفجع.

ألمٌ خفيفٌ في الرأس. لم يذهب به "الإكسترا بندول، ولا مراجعات طبيب القرية بعد استفحاله. قال شيئا عن "الضغط العالي". قال شيئا آخرعن"الكولسترول". فاضَ بالحكمة، ولم يندحرالألم. كانت اللعينة مختبئة وتعمل بصمتٍ قاتل. تربّصتْ وضربت ضربتَها الثانية. هذه المرّة اختارت الرأس؛ أشرف الجهات. صمدتَ قليلاً تحتَ مبضع الجراح.

زيّنَ لنا سرابُ الوهم أنك أيضا ـ هذه المرة ـ ستعبر وتعود إلينا ضاحكا رغم الجسد المخذول بالأنانبيب والأمصال.

بضعةُ أيام استعدناك فيها بسبّابةٍ حامدة شاكرة، ونصفِ وعيٍ نتأكّد منه.. من ثبات الأسماء والوجوه.

مضينا نعدّ سرير المنزل لاستقبالك، ونرتّب إجراءات العلاج الطبيعي في مكانٍ آخر.

بضعةُ أيام، لم تكن إلا المهلة الأخيرة لتعوم في النهاية.

الأخ الصغير.. الأخ الصغير مالَ رأسُهُ بطعنة الغياب.