سؤال متأكدة أنه طُرح على معظم السعوديات المبتعثات واللاتي يُقمن في الخارج، ممن اخترن الحجاب المعتدل، مع عدم لبس العباءة السوداء، وهو: "نعرف من التلفزيون والصحافة أن المرأة السعودية لا ترتدي إلا السواد من الرأس حتى القدمين؟! بينما أنت لا، لماذا؟!" فيما الذي يشكل صعوبة أكثر منه هي الإجابة، فهل تُجيب: أن ما ترتديه هو الحجاب المعتدل المتعارف عليه؟ أم أن حجاب المرأة في المجتمع ملتبس بعرف العادات والتقاليد، فالبرقع الذي تطورإلى نقاب عرفه الأعراب قبل الإسلام، ثم استمر مجتمع البادية في لبسه حتى اختلط العرف بالعبادة! أم تجيب "مثلي" ليس جميع السعوديات منقبات، هناك من تختار النقاب وهناك من تختار كشف وجهها، وكلاهما مسائل فقهية خلافية جائزة! ولكن الأهم من ذلك أن النقاب ليس مشكلة، ولا يعيق المرأة عن النجاح في عملها وتميزها، ما دامت اختارته بمحض إرادتها ورغبتها، وهو مع الأسف ما لا يصدقه الآخر بسبب لؤم الإعلام الغربي فيما يصوره عنها!
طوال فترة إقامتي في نيويورك واحتكاكي ببعض الأجانب كالأوروبيين والأميركيين واليابانيين والكوريين بالمعهد الذي انضممت له لأخذ دورة؛ واجهت هذا السؤال وغيره عشرات المرات بداية من: من أين؟! لأجيب بفخر من السعودية، فيسأل بتعجب: معقول! فالمرأة السعودية لا ترتدي إلا السواد وأنت لا! ثم تبدأ الأسئلة: لماذا الحجاب لونه أسود لديكم والدول الأخرى لا؟ هل صحيح الرجل لديكم يتزوج 4 نساء؟ هل فعلا المرأة لا تقود سيارة؟ ومع الأسف حين يعرفون أن المرأة لا تقود السيارة وهو أمر عادي جدا لديهم، يتصورون أبشع الأمور ويقيسونها على ذلك، كأن يظنون أنها تُحرم من التعليم تماما ومن العمل، وأنها مجرد مفرخة للأطفال ورقم ضمن زوجات الرجل الأربع و.... إلخ! والمأساة الكبرى أن ما سبق يحسبونه ناتجا عن تعاليم الإسلام! ورغم مفاجأتي كثيرا بأسئلة بعض الأجانب هناك، لكنها عكست لي ثقافة الآخر عنّا، وما يصوره الإعلام الغربي لهم عنا!
وأتذكر أنه بعد يومين من القرار الملكي بضم المرأة السعودية لمجلس الشورى والمجالس البلدية؛ كان حكم محكمة جدة الجزائية على سيدة بسبب قيادتها للسيارة الأبرز والأهم في الإعلام الأميركي، فحين كنت أمشي على الرصيف فاجأتني إحدى الصحف بيد أحدهم وعلى صفحتها الأولى صورة امرأة سعودية منقبة وعنوان مختصر "تُصوت ولا تسوق!" ولا يغيب عنا الإيحاء من نشر وجه منقب بأنها معزولة وتعاني! هذا هو الإعلام في الخارج، وربما لأنه لا يفهم طبيعة ثقافتنا! ومع الأسف الشديد الإعلام المحلي قاصر جدا في الوصول إلى المشاهد بالخارج، بل وفي مناقشة ما يتناوله عنّا من أمور، مما يعزز الصورة المعزولة! فهو لا ينتج أفلاما وثائقية حيوية تجتذب السوق الغربي، ولا ينتج برامج لها قدرة المنافسة الاحترافية لمناقشة ثقافتنا وما تكتبه الصحافة الدولية، والسبب هو أنه ليس هناك ميزانية لذلك، نتيجة صعوبة الحصول على التمويل من وزارة المالية الموقرة، وكأن الوزارة لم تصل بعد إلى الوعي بأهمية الإعلام واستخدامه دوليا كسلاح ثقافي سياسي اليوم.
فكان الله في عوننا، وأن تستشعر وزارة المالية ما يفعله الإعلام بنا في الخارج لتصرف على إعلامنا المحلي في الداخل!