بعد أن كانت في طريقها للاندثار، عادت مهنة "صقل وتلميع دلال القهوة" إلى الواجهة، حيث يعمل أصحابها على أن تعود دلال القهوة لطبيعتها، للحصول على قهوة عربية ذات نكهة مميّزة.

ويعمد حرفيون عرفوا بهذه المهنة إلى نصب خيامهم في الأراضي الفضاء وسط بعض أحياء العاصمة، وعلى الطرقات السريعة، واضعين أمامها طاولات صغيرة تعرض عليها العديد من دلال القهوة للفت أنظار الزبائن إلى نشاطهم الذي لا يحتاج للكثير من التكاليف المادية والتجهيزات، فكل ما يحتاجونه قطع صغيرة من بودرة الرصاص، وموقد صغير يعمل بالغاز تتم عبره عملية تنظيف الدلال النحاسيّة.

وخلال زيارة "الوطن" لهم رفضوا تصوير نشاطهم أو تقديم أسمائهم. وقال أحدهم "إن هذه المهنة التاريخيّة نتوارثها منذ مئات السنين، وعادة ما يمارسها الفقراء للحصول على قوت يومهم، مشيرًا إلى أنه لا يمتلك شهادة دراسية تؤهله للتوظيف، فلجأ لهذه المهنة التي يكسب منها ما معدّله 2500 ريال شهرياً، حيث يرتاده بعض أهل البادية وهواة إعداد القهوة العربية بدلالهم المستخدمة التي تحتاج إلى تنظيف وتلميع، ويطلق على هذه العملية "الرُبّ" أو "الجلي" حيث يحتاج إلى موقد تسخّن عليه الدلّة أو الآنية بعد أن توضع قطع من مادة الرصاص ويستمر تقليبها عدة دقائق حتى تنظف من الداخل، كما يتم "سحلها" من الخارج لتنظيفها من آثار تعرضها للهب عند إعداد القهوة، وبذلك تعود للدلة بريقها، فيحصل هواة "القهوة" على مبتغاهم والطعم المميز للقهوة العربية، مشيرًا إلى أنه يحصل على مبلغ يتراوح بين 30 و 50 ريالا لتنظيف الدلّة الواحدة، لافتا إلى أن هذه العملية تختص بالدلال النحاسية القديمة ولا تنطبق على الدلال الحديثة المصنوعة من "الاستيل"، مطالبا بأن تلتفت لهم الجهات المعنيّة وتعينهم على ممارسة مهنتهم.

وقال "إن جميع من يمارسون هذه المهنة فقراء ويعولون أسراً كبيرة ولا يستطيعون استئجار محلات خاصة بنشاطهم، فيضطرون لنصب خيامهم في العراء وبعضهم ينام داخلها لعدم توفر مسكن يلجأ إليه، مقترحًا أن تساهم الجهات المعنيّة في تصميم أكشاك خاصة في بعض المواقع لتستمر هذه المهنة التراثية التي يحصل منها بعض الفقراء على قوت يومهم.

ويقول المواطن أحمد الزهراني "إن البعض ينظرون لهؤلاء المواطنين بنظرة سلبيّة وينتقدون ممارسة مثل هذه المهن التراثية والتاريخية وذلك على خلفيّة أعراف قبليّة خاطئة كانت تنتقد بعض المهن قديما قبل أن تتلاشى هذه النظرة تدريجيا حيث نرى اليوم الكثير من الشباب السعودي يمارسون مهنا صناعيّة وحرفيّة وينخرطون في الكثير من الأعمال التي كان ينظر لها اجتماعيا بأنها "عيب"، وأشار الزهراني إلى أن ممارسة العمل الحرفي والكسب من عرق الجبين ليست عيبًا، بدليل أن من بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من عمل في مهن كالنجارة ورعي الأغنام والتجارة وغيرها، كما وجهنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم بالعمل في أحاديث كثيرة منها حين سئل عن أطيب الكسب فقال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور"، وحديث "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"، وأيضا قوله صلى الله عليه وسلّم "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه".