أظهرت الأحداث التي تشهدها تونس حاليا العلاقة الوطيدة بين الأدب وخصوصا الشعر و"ثورات الشعوب"، خصوصا الشعوب العاطفية كالعربية، وهو ما يفسر - حسب بعض النقاد - العلاقة المتوترة في كثير من الأحيان بين السياسي والأديب، ومحاولة بعض السياسيين "استغلال" الأديب وتوجيهه لخدمة المصلحة السياسية، وفي أحيان أخرى محاولة إسكات صوته بأي طريقة.

فمن يصدق أن بيتا شعريا من قصيدة وظفت بعض أبياتها في النشيد الوطني التونسي، تم تداوله أمس على الإنترنت - حسب إحصاء موقع "جوجل" - 800 مرة في سرعة بحث لا تتجاوز ربع ثانية. والبيت المعني هو مطلع رائعة الشاعر التونسي الكبير إبداعا، الصغير عمرا، أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر.

فاللافت أن بعض مرتادي المواقع الإلكترونية وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر" اكتفوا في تعليقهم على الأحداث بوضع هذا البيت مرفقة به صور لعلم تونس أو مظاهرات من الشارع التونسي، بل إن هناك مجموعة على "فيسبوك" جعلت اسمها "إذا الشعب يوما أراد الحياة ..." بلغ عدد المعجبين بها في دقائق أكثر من 600 شخص.

ويعود تاريخ هذه القصيدة إلى ما يقارب 80 عاما، حيث كتبها الشابي في أوج فورته الشعرية، على الرغم من عمره القصير الذي لم يتجاوز 25 عاما (ولد عام 1909 وتوفي عام 1934).

واستذكر آخرون قصيدة أخرى للشابي بعنوان "إلى طغاة العالم"، مطلعها:

ألا أيها الظالم المستبد ... حبيب الفناء عدو الحياة

ومنذ فجر التاريخ والأدب مرتبط ارتباطا مباشرا بالشعوب وهمومها، فالشعر مثلا كان ومازال من أكثر الفنون الأدبية التي توظف لإثارة المشاعر وحفز الهمم في الشعوب العربية، بل إن بعض القصائد والأناشيد الحماسية، خلدت طويلا وما زالت الألسن ترددها كلما حدث أمر يشعر النفوس بالانهزامية. فلا يكاد يمر يوم دون أن نسمع في قناة عربية رائعة الشاعر المصري التي قالها في مناسبة أخرى، تتعلق بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وهي قصيدة الشاعر علي محمود طه:

أخي جاوز الظالمون المدى... فحق الجهاد وحق الفدى