عندما أنشأ المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله مجلس الشورى، فإنه كان رحمه الله يدرك ويؤمن بأهمية الاستعانة بأهل الفكر والخبرة والمعرفة والكفاءة والثقة والأمانة في صناعة القرار في جميع مجالات التنمية الاقتصادية في المملكة، ومنها بناء الإنسان المواطن والتخطيط والاقتصاد والميزانية والتعليم والصحة وخدمات البنية التحتية، من كهرباء واتصالات ومياه وصرف صحي وطرق ومبان وسكك حديد وقطارات وغيرها، وحتى في بدايات تأسيس ومراحل تكوين الدولة المختلفة، كان الملك عبدالعزيز رحمه الله يقرب ويستشير أهل الخبرة والحكمة والكفاءة في أمور الدولة، كخطوة ومرحلة سبقت إنشاءه لمجلس الشورى. وفي مرحلة تالية، قام الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله بإعادة إحياء مجلس الشورى وهو ما يتم العمل به حالياً.
في المرحلة الحالية وتحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، حظي مجلس الشورى بدعم كبير من قبل القيادة حفظها الله، ولعل آخرها ما تم من إقرار مشاركة المرأة في مجلس الشورى، والذي يمثل إضافة وحقا طبيعيا ووطنيا للمرأة لتعمل جنباً إلى جنب مع الرجل في المشاركة في صنع القرار والتنمية الاقتصادية في المملكة، علماً بأن المرأة عضو فاعل في مجلس الشورى من خلال عمل عدد من المستشارات (7 مستشارات في الوقت الحالي) داخل المجلس. ولعلنا نستخدم هذه المناسبة التاريخية لمراجعة وتقييم وضع ومستقبل مجلس الشورى، وتقديم مقترحات وخطة عمل من شأنها تطوير منهجية وآلية عمل المجلس بما يعود بالنفع والمصلحة على الدولة والوطن.
يعمل مجلس الشورى بشكل أساسي على دراسة ومراجعة وتقييم التقارير المقدمة من الجهات الحكومية، وذلك من خلال اللجان المكونة داخل المجلس، كل حسب الاختصاص. فعلى سبيل المثال، تقوم لجنة الإسكان والمياه والخدمات والمرافق باستعراض ودراسة التقارير المقدمة من وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة المياه والكهرباء، بينما تقوم لجنة الإدارة والموارد البشرية بالاطلاع على التقارير المقدمة من جهات حكومية مثل وزارة الخدمة المدنية وتقييمها، إضافة إلى قيام كل لجنة بدراسة ما يستجد من مواضيع ذات علاقة بعمل واختصاص اللجنة. كما يمكن لأي عضو من أعضاء مجلس الشورى تقديم مقترح مشروع معين وطلب مناقشته أمام المجلس حسب المواد من 21-23 ضمن المواد المدرجة في الفصل الرابع "اقتراح مشروعات الأنظمة وتعديله"، وفي حالة الموافقة عليه من المجلس؛ يتحول المقترح إلى مشروع تتم دراسته وتطويره ومن ثم رفعه إلى المقام السامي لإقراره. وتتمثل اللجان العاملة داخل مجلس الشورى فيما يلي:
1. لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية.
2. لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب.
3. لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة.
4. لجنة الشؤون الأمنية.
5. لجنة الإدارة والموارد البشرية.
6. لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي.
7. لجنة الشؤون الثقافية والإعلامية.
8. لجنة الشؤون الخارجية.
9. لجنة الإسكان والمياه والخدمات والمرافق.
10. لجنة الشؤون الصحية والبيئة.
11. لجنة الشؤون المالية.
12. لجنة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات.
13. لجنة حقوق الإنسان والعرائض.
ويلاحظ على تقسيم اللجان اتباعها للتقسيم الحالي لعمل القطاعات الحكومية إلى حد ما، وهي ميزة نوعاً ما، وقد تمثل عيباً أو عائقاً في الاستفادة من خبرات بعض الأعضاء في بعض المجالات خارج نطاق عمل واختصاص اللجنة التي تعمل بها، وقد يكون من المناسب وبعد العمل على هذه اللجان لعقود إعادة النظر في تكوين وتخصيص اللجان بحيث يتم النظر لعمل القطاع الحكومي بطريقة مختلفة وابتكارية تساعد على تطوير أعمال الجهات الحكومية، بدلاً من اتباع نفس الأسلوب المتبع في الجهات الحكومية، وإعادة منهجية وأسلوب تقييم ودراسة التقارير المقدمة من الجهات الحكوية من ناحية أخرى.
ويمكن بشكل مقتضب تقديم عدد من المقترحات التي يمكن العمل بها داخل المجلس، والتي سوف تساعد على رفع أداء المجلس وتحسين دوره في تقديم الدعم المطلوب للقيادة. ومن أهم هذه المقترحات (مكاسب سريعة وغير مكلفة) ما يلي:
1. إنشاء مركز معلوماتي بالتعاون مع مركز المعلومات الوطني التابع لوزارة الداخلية، المصدر الوحيد حالياً الذي يتمتع باكتمال ومصداقية ودقة البيانات المدنية، على أن يتم تطوير نظام يتضمن عددا من مؤشرات الأداء الحقيقية (Performance key Indicators - KPI) لكل قطاع أو خدمة أو نشاط، فمثلاً يمكن تحديد عدد السعوديين وغير السعوديين، مع تحديد التغير اليومي في العدد والنسبة، كما يمكن تحديد عدد الموظفين الحكوميين من السعوديين مقابل غير الحكوميين من السعوديين، إضافة إلى نسب وأعداد الفئات العمرية، وهكذا.
2. تحديد مؤشرات أداء دقيقة لكل قطاع ونشاط حكومي، مع ربطها ببعد زمني ومكاني، مثل تحديد نسبة الإنجاز في المدن الاقتصادية، وتحديد نسب السعودة والنمو فيها في كل قطاع عمل، وتحديد درجة جودة مستهدفة في التعليم العام، وهكذا. وباستخدام هذه الآلية، يتم الاستغناء عن تقييم ودراسة التقارير المقدمة من الجهات الحكومية، أو على الأقل التقليل من استخدامها والاعتماد عليها. كما أنه من خلال تقييم عمل الجهات الحكومية بناءً على مؤشرات أداء زمنية يتم تطويرها والاحتفاظ بها داخل المجلس، سوف تتحول وتتغير طريقة عمل وتفكير الجهات الحكومية بطريقة إيجابية.
3. وضع خطط استراتيجية وزمنية للتعامل مع كل قطاع ونشاط، مع تحديد الأهداف الاستراتيجية لكل قطاع وأوجه القصور الحالية.
4. دعم عمل المجلس من الناحية المالية والبشرية المتخصصة والمؤهلة، بحيث يتم توفير ميزانية وفريق عمل وبحث وتطوير لكل عضو من أعضاء المجلس كما هو معمول به في عدد من المجالس المماثلة في العالم.
هذه قراءة ومقترحات مختصرة لما يمكن تطويره وتحسينه في أعمال المجلس، وهناك الكثير مما يمكن إنجازه وتحسينه داخل المجلس، وكل هذا في سبيل رفع مستوى أداء مجلس الشورى للقيام بواجبه أمام الدولة والوطن.