تتنازع الوسط الرياضي السعودي في العشرية الأخيرة حالتان متناقضتان: الأولى نقد هادف مؤطر بتشخيص دقيق واقتراح معالجات، وهذا لا يعمل به سوى نزر يسير (جداً جداً) ممن يتناولون الإشكالات الرياضية السعودية بأبعادها المحلية والخارجية.

والأخرى تهجم حاد وعاطفي وبكائي محبط, والمؤسف أنه بات الطاغي في وسائلنا الإعلامية المتعددة.

الشريحة الأولى لا تسعى إلى لفت الأنظار واللعب على وتر المشجع البسيط بأساليب سطحية، إنما تسعى إلى سبر أغوار المشكلة وتأخذ بالأدوات المهنية وتضعها نصب عينيها فضلاً عن أن منطلقاتها سليمة ومقاصدها خيرة وتحاول السير بالرياضة إلى جادة الصواب والإيجابية.

بيد أن الشريحة الأخرى على العكس تماماً من الأولى فهي تسعى – بقصد أو من دون قصد - إلى إثارة ضجيج حولها كشخصية في وقت هي كقدرة ليست متمكنة من أدواتها النقدية والمعرفية ولا تمتلك التفاصيل حول هذه الإشكالية أو تلك, ولو سألتها يوماً عن تحويل هذه الانتقادات إلى صيغة مكتوبة تحمل إطاراً تنظيرياً سليماً وفق منهج علمي يستند إلى المعلومة, فإن ذلك أبعد من عش النسر الأمريكي بأعالي الجبال!!

القاعدة في الحراك الرياضي هي الاختلاف ولا شك, لأنه ببساطة من دون ذلك لا نتوقع التميز والتألق والإبداع حيناً.

الرياضة جمالها في (ديناميكياتها) وليس في ثباتها, والاختلاف الواعي مطلب لأي مجال ومنه المجال الرياضي, والرياضة السعودية على ما تعيشه من (عسر هضم) في المنافسات القارية والدولية في هذه العشرية مجال حديثنا, فإنها أحوج ما تكون إلى التفكير الجماعي الواعي والمدرك لأهمية المساهمة من أجل تقديم رؤية أو آلية أو إطار يخدم أحد المجالات الرياضية والشبابية في بلادنا, لكن هل هذا ما نقرؤه أو نشاهده أو نسمعه على أرض الواقع؟ لا وألف لا.

أنحاز مع الرأي الحر المدرك الواعي والمستند على حقائق وأرقام ومعلومات وبيانات وتحليلات, ولست مع موجة (التهريج) واستغلال النوافذ الإعلامية بطريقة غير مهنية ولا موضوعية, والسعي إلى تأجيج المشاعر الجماهيرية من دون تقديم رؤية حقيقية واضحة وممكنة التحقيق, وهنا لا أطالب بتقديمها للمسؤول في الخفاء ما دام أنه يعشق الـ(show), وإنما عليه أن يطرحها بنفس المنبر الذي ينتقد أو يتهجم من خلاله, ولندع المتابع يقيم ويستنتج في نهاية الأمر.

من السهل جداً أن نهاجم وننتقد لأجل الانتقاد الذي هو سمة ظاهرة في هذه الموجات التي تتغلف بالسلبية في جلها, ومن السهل كذلك إبداء استعراضات لفظية إنشائية تنطلي على بعض المتابعين الرياضيين ممن هم بعيدون عن حقائق الأمر، فما هم إلا مجرد متابعين لما هو ظاهر وينتظرون من ينقل لهم عن منتخب أو اتحاد أو ناد أو مدرب أو لاعب ونحو ذلك، دون عناء البحث والتقصي والتحري من هنا وهناك, والإعلام لم يوجد إلا لهؤلاء وهذا جزء من دوره الأساس.

من رصد دقيق للإعلام الرياضي السعودي في العشرية هذه, أستطيع القول إن هذا الإعلام مسؤول مسؤولية مباشرة عن كثير من السلبيات التي اكتوت الرياضة السعودية بنارها, فهو ساهم في منح نوافذ لبعض ممن يلهثون وراء الضجيج ودغدغة المشاعر بمرئيات سطحية إنشائية لعلمهم المسبق بعدم وجود من يقيم أو يفرز الغث من السمين من فترة إلى أخرى, وهذا على حساب الرأي الجاد والموضوعي والمهني وعدم إعطاء الدراسات والبحوث المساحة المطلوبة ولو بشكل دوري في هذه الصحيفة أو تلك.