هل تقبل بإدارة الحملة الانتخابية الإعلامية لأي من مرشحي الرئاسة؟

- لا، ولا ينبغي لي أن ألتحق بأي حزب.. وعُرض علي الدخول في بعض الأحزاب ولكنني رفضت، فالصحفي يجب أن يكون محايدا.

هكذا سئل الصحفي المصري (يسري فودة)، وهكذا أجاب. إجابته بدهية، يعرفها كل دارسي الإعلام، ومحترفيه الحقيقيين. فالصحفي أين ما كان يعمل سواء في الصحافة المقروءة أو المرئية أو المسموعة، هو بالضرورة مستقل ومحايد.

لكن ما يحدث لدينا، هو خلط مدهش عجيب، فترى الصحفي لا يجد غضاضة في الانتماء لمؤسسة، أيا كانت خدماتها ثقافية أو رياضية أو اجتماعية أو سواها، من مؤسسات. والعجيب أكثر أنه بعد انضمامه هذا يبقى صحفيا، ما يجعلك تحتار، وتتساءل لماذا نغيب المعايير المهنية والقيم الإعلامية، ونضرب بها عرض الحائط، ولا حائط!

فالمعايير العلمية والقيمية للإعلام تتفق على أن دور الإعلام (يجب أن يلعبه كجهاز رقابي لإظهار الحقائق ومساعدة المتلقي على الفصل بين الرأي والخبر والتحليل والإشاعة، لخلق رأي عام مستنير ومسلح بالمعرفة والحقيقة).

وهنا لا أفهم حقيقة كيف يمكن لصحفي أن ينهض بهذه المهمة وهو ينتمي لمؤسسة سواء بالانتخاب أو التعيين أو حتى بـ (الترزز)!؟

أسئلة كثيرة مرت بخاطري وأنا أقرأ حوارا جميلا مع فودة الذي عرفه الجمهور العربي أواخر التسعينات وهو يقدم برنامجه (سري للغاية) الذي يصنف معرفيا في إطار (الصحافة الاستقصائية)، وكان متألقا فيه حتى وإن ذهب البعض إلى أنه لم يكن يقدم معلومات وحقائق قدر ما كان يقدم تشويقا وجماليات بصرية ويثير استفهامات فقط.

لكن فودة الذي يشدد على أنه ليس من المغرمين بالشهرة كان يقول (منذ اليوم الأول وأنا حريص على المهنية في برنامجي، وغير مؤمن بأسلوب الصياح، لأنني مقتنع بأن المشاهد يجب أن يخرج بمعلومة جديدة أو تحليل مفيد من البرنامج يساعده على فهم الأحداث الجارية). الآن أعيد فتح ملف قديم يتساءل عن خريجي أقسام الإعلام في جامعاتنا السعودية (أنا واحد منهم بالمناسبة)، وعن مخرجات هذه الأقسام في ظل ما يصفه بعض المراقبين بالفقر المهني لدى جل العاملين في الحقل الصحفي (صحف، إذاعة، تلفزيون)، أم أن الزمان استدار واختلف وبالتالي انقلبت القيم العلمية، والمعايير المهنية، بل وتغير وعي المتلقي وقدرته على التقدير والفرز، فلم تعد هناك مقاييس تقويم وتقدير؟ ربما تجول بذهنك أسئلة كهذه وقناعات تدحضها أقل متابعة لمؤسسات إعلامية عريقة صنعت تاريخها كقنوات البي بي سي البريطانية، والتلفزة والإذاعة الفرنسية، لتعود حيران، وأنت ترى أن القيم والمعايير والمقاييس هي هي، لم تختلف عندهم.

حسنا.. ما الذي يجري في واقعنا العربي إذن؟