قد يفاجأ بعض الآباء والأمهات بسير طفلهم أثناء نومه متوجها نحو غرفة ألعابه أو المطبخ أو باب الخروج من المنزل، معتقدين تأثره ومحاكاته لما يحدث في بعض الأفلام الكرتونية، إلا أن عدم استجابته لنداءاتهم المتكررة بإيقاظه وإلحاقه الأذى بنفسه في بعض الأحيان يرسم شيئا من القلق لديهم.
تقول منال العسيري وهي أم لثلاثة أطفال: إن طفلها ابن الثمان سنوات يمشي أثناء نومه بمعدل مرة أسبوعيا، ولم ألحظ ذلك إلا بعد أن أخبرني إخوته بفعله ذلك، إلا أنني لم أكن أصدق معتقدة أنهم يسخرون منه أو أنه يقلد ما يحدث في الأفلام الكرتونية ليخيف إخوته، فيما ساقتني الصدفة يوما ما للنوم متأخرة، حيث سمعت صوت باب المنزل يفتح وحين اتجهت إليه وفتحت الأنوار وجدت طفلي يحاول العبث بمفتاح الباب محاولا الخروج، وكنت أناديه دون أن يستمع أو يستجيب، حتى أيقظت والده وقدناه معا نحو فراشه.
وفي حالة أخرى قالت عالية العمري: إنها لاحظت قيام ابنتها التي لا تتجاوز الخامسة من عمرها بالسير خلال النوم وهي مغمضة العينين والتوجه نحو دورة المياه ثم العودة للنوم أو بالذهاب للمطبخ وشرب الماء أو تناول الفاكهة دون أن تتحدث إلى والدتها ولا تستجيب لنداءاتها، لافتة إلى أنها حين استشارت طبيبا نفسيا أخبرها بأن ما تفعله هو ما يسمى باضطراب السير أثناء النوم. عن هذا الاضطراب يقول استشاري الطب النفسي الإكلينيكي الدكتور وليد الزهراني: إنه ينتشر عند الأطفال خصوصا. وإن ما نسبته (10-30%) منهم حدثت لهم نوبة واحدة على الأقل، ونسبة (1-5%) لديهم نوبات متكررة ذات آثار سلبية. مبينا أن هذا الاضطراب من الاضطرابات الحميدة عادة، وهو يختفي في فترة المراهقة لاسيما عند سن (15) سنة، ويمكن له أن يبدأ في أي عمر بعد سن المشي من عمر 4-8 سنوات. وأكثر الحالات في سن (12) سنة، ويتوزع انتشاره بشكل متشابه بين الذكور والإناث، إلا أنه اضطراب محدد وحميد ولا يترافق مع اضطرابات نفسية أخرى عادة وهو يتحسن مع العمر ويختفي، ونسبة من هذه الحالات تستمر إلى مرحلة الرشد والشباب، أو أنها تختفي ثم تعود في مرحلة الشباب، وتستمر عدة سنوات بين اشتداد وهجوع. ونسبة حدوث نوبة واحدة على الأقل من المشي أثناء النوم عند الكبار هي (1-7%)، وعندها يمكن أن تترافق مع اضطرابات القلق أو الاكتئاب أو اضطرابات الشخصية.
وعن كيفية حدوث هذا الاضطراب لفت الدكتور الزهراني إلى أنه يحدث خلال الثلث الأول من الليل في مرحلة النوم العميق، حيث يصحو المريض جزئيا ويقوم ببعض التصرفات والحركة والمشي، ومنهم من يذهب إلى الحمام للتبول أو ينزل على السلم أو يذهب إلى المطبخ ويأكل، أو يفتح خزانة الملابس ويمكن له أن يخرج خارج المنزل. وفي حالات نادرة يمكن أن يقوم بأعمال معقدة مثل استعمال أحد الأجهزة أو فتح القفل بالمفتاح. وفي حالات أخرى يمكن أن يتصرف بشكل مؤذٍ وعنيف إذا كان خائفا أو هاربا. كما يمكن أن يتعرض للأذى والسقوط والكدمات والجروح.
وأوضح الدكتور الزهراني أنه ليس صحيحا أبدا أن المريض يمكن أن يمشي في أماكن خطرة دون إصابة. والمريض عندما يمشي أثناء نومه يتميز وجهه بفراغه من التعبير، وهو لا يستجيب لكلام من حوله، ولا يتحدث إلا نادرا، ويكون حديثه خافتا ومحدودا وليس مسترسلا، كما أن انتباهه يكون ناقصا وقد يستجيب لكلام من حوله بأن يعود إلى سريره ويتابع نومه، وعندها تنتهي النوبة التي قد تستغرق عادة عدة دقائق إلى نصف ساعة. ويصعب عادة إيقاظ المريض من نوبة المشي أثناء النوم. وقد تنتهي النوبة بالاستيقاظ بعد عدة دقائق من اختلاط الوعي واضطراب التوجه في الزمان والمكان ثم يصحو المريض تماما، وهو لا يتذكر عادة ما جرى وقد يتذكر بعض الأمور العامة ولكن لا يمكنه أن يتذكر التفاصيل.
وأضاف الدكتور الزهراني: أن الدراسات تبين أن هناك عاملا وراثيا وراء عدد من الحالات، حيث ينتشر الاضطراب في نفس العائلة، وعندما يصاب أحد أفراد الأسرة فإن نسبة (10-20%) من الأقرباء بالدرجة الأولى يظهر لديهم هذا الاضطراب، مشيرا إلى أنه لا يزال العامل الوراثي غير محدد. كما أن هناك عددا من المثيرات لنوبات المشي أثناء النوم ومنها القلق والتوتر والخوف وامتلاء المثانة والضجيج والحرمان من النوم وارتفاع الحرارة وأيضا نوبات الصداع النصفي واستعمال الكحول وبعض الأدوية النفسية.
أما العلاج فإنه لا بد من التأكيد أولا على أن كثيرا من الحالات تعتبر عادية، أما الحالات الأخرى المتقدمة، فيجب أن يتجنب المريض النوم خارج المنزل، وأن يتجنب الرحلات والمخيمات الصيفية والزيارات التي تحتاج إلى نوم خارج المنزل، وهذه الحالات تتطلب العلاج المتدرج من الابتعاد عن المثيرات كالحرمان من النوم والتخفيف من القلق والضغوط الاجتماعية قدر الإمكان. ويفيد إعطاء دواء مهدئ في توقف النوبات، كما يجب الانتباه إلى حماية الطفل وترتيب مكان نومه بشكل لا يتسبب في الكدمات والأذى، أما في حالات الكبار فلا بد من دراسة الحالة بالتفصيل وتفريقها عن سوء استعمال بعض الأدوية أو استعمال الكحول وغيره كما لا بد من وضع خطة تفصيلية علاجية من مختلف الجوانب النفسية والاجتماعية والطبية.