كُتب الكثير عن تبعات الربيع العربي حتى أصبح الموضوع مملا إلى حد كبير. بينما أشار البعض بإيجاز إلى الجوانب الخفية التي يمكن استنباطها وبالأخص في تحركات بعض الدول التي استغلت الموقف لتحقيق مصالح مدروسة. وبالنظر إلى التحولات الجارية على الساحة العربية تظهر لنا جليا تلك التحركات التركية، وبالتحديد في اتجاهين رئيسيين (عالمي وعربي). ولتفسير أسباب ودوافع ذلك يمكن الإشارة إلى أربع نقاط:

الأولى: بدأت تركيا تحركها بدخول القارة السمراء عبر الصومال بدعوى مساعدة الفقراء (تحت مظلة قضية الجفاف).

الثانية: سعت تركيا ميدانيا لزيارة محطات الربيع العربي في ليبيا وتونس ومصر وشفهيا عبر تصريحاتها النارية عن سوريا (سعيا إلى تلطيف الأجواء مع العرب).

الثالثة: استغلت تركيا القضية الفلسطينية لتجافي إسرائيل بهدف كسب الرأي العام العربي (تماما كما فعلت إيران).

الرابعة: فتحت تركيا شراكة مع الصين وروسيا (وهو ما أثار حفيظة واشنطن في الأيام الماضية) بدعوى رفع الظلم عن المسلمين هناك.

إذن يتضح أن تحركات تركيا ليست عشوائية بل هي طموحات كبيرة للعودة بقوة إلى أرض العرب. واستغلت التوقيت بذكاء، إذ إن بعض العرب منشغلون بقضية ثوراتهم، بينما الأميركان مضطرون للقبول بهذا التحرك لخلق توازن مع النفوذ الإيراني، والأوروبيون حتما سيرحبون بهدف تهدئة الشغف التركي لعضوية الاتحاد الأوروبي.

كل هذه المعطيات تشير إلى سعي تركي لفتح نفوذ جديد على الساحة العربية في محاولات لطمس وإخفاء ما ترسب من شعور سلبي في الوجدان العربي إبان الحقبة العثمانية.

لهذا من الملح عربيا التعامل مع هذا التمدد التركي بحذر قبل الترحيب به. فكما تطابقت مواقف تركيا وإيران في استغلال القضايا الإسلامية والقومية لتجنيد الرأي العربي والإسلامي (كقضية فلسطين ومعاداة إسرائيل)؛ يمكن أيضا أن تتفق وجهات النظر بينهما عسكريا للسيطرة على باقي الكعكة العربية. ولنعلم يقينا أن المصالح المشتركة ما بين روسيا ـ الصين ـ إيران ـ تركيا ليست لها قاعدة دينية أو عرقية، بل هي سياسية اقتصادية.